هل ينبغي قتل أردوغان؟

سؤال يبدو صادما للوهلة الأولى، لكنه بالضرورة يظل سؤالا واقعيا الى حد بعيد، في ظل التناحر الداخلي التركي وصولا الى تركيا الفاعلة والمستقرة. قديما أسس سليمان القانوني الى ما يسمى بالعرف العثماني \”شريعة قتل الأخ\” وهي شريعة غريبة من نوعها الى حد ما، حيث ينتخب السلطان خليفته من بين ابنائه وأخوته، ويتم تصفية الآخرين أو إذلالهم وصولا الى بيعة مطلقة، ويتم سجن البعض منهم مدى الحياة، كمحاولة احترازية للطارئ القدري. هذا الأمر كما يبدو من الأمور التي حاول أردوغان تطبيقها على الواقع الداخلي التركي، والخارجي الأقليمي، حيث شن حملته على العراق قبل سوريا، محاولا جعل العراق مزرعة عثمانية، لكن وجود سلطة عنيدة في العراق، جعلته يوسع من دائرة الصراع، وهكذا تناغم مع الدور القطري، وصولا الى سوريا مستعرة، ومصر مربكة، وليبيا مشتته، وتونس صاخبة، الى أن انكمشت الدائرة، وضاق عليه الخناق من جديد، حيث لم يصمد الدور التبشيري لداود أوغلو في \”تصفير المشاكل طويلا\” وتداعت سلطة الهدوء لصالح سلطة الفوضى، مما قرب دائرة النار، لتستعر حول الجغرافيا الطبيعية التركية، مما جعل الأمن التركي يدق ناقوس الخطر، منذرا باشتعال الداخل التركي، إن لم تجد المبادرات طريقها الى خلق الحلحلة السياسية. لكن هذه الحلحلة السياسية تصطدم واقعيا، بإدارة العالم ظهره لأردوغان. فالحكومة الروسية تقول أن هناك \”خمس معارضات وحكومة والجميع يقاتل الجميع\”. فيما يرى الأمريكان \”أن أردوغان لم يعد يستيطع إدارة دفة المصالح الأمريكية، وأن مصالحه صارت تتقاطع مع مصالح واشنطن\”، كذلك الفرنسيون يرون في أردوغان \”معرقلا هاما، لإمداد العالم بالطاقة، من خلال إصراره على خلق الفوضى\”.. الإسرائليون أيضا، لم يعودوا يعولون عليه، سيما بعد أن بدا واضحا ارتخاء أصابعه عن الإطباق على خناق الجهاديين الذين أمطر بهم سوريا، ليتحولوا من مبشرين بانهيار النهج القومي، الى مبشرين بإمارات سوداء مخيفة. الأوربيون أيضا يعتقدون أنه السبب المباشر في اقتراب الجهاديين من أبواب أوروبا \”سيما مع بدء المعارك في منطقة أعزاز، وتسهيل أردوغان حركة المجاهدين الأوروبيين وتدربيهم على الأراضي التركية، كما أنهم لم ينسوا مشكلته مع اليونان، وآخر مشاكله معهم تلويحه بقضية كوسوفو في الجانب الأخر. تقاطع أردوغان مع السعودية، وتحالف مع عدوها اللدود قطر، وبعدما انقلبت أطر المعادلات، بدأت قطر تنأى تدريجيا بنفسها عن تركيا، وليس بعيدا أن نجدها في المقلب الآخر \”السوري تحديدا\” مما يعمق عزلة أردوغان، في الجانب العربي أيضا. صار أردوغان غولا في الشارع المصري وعدوا لحكومتها المنزهة من الشعب، ورمزا من الرموز السوداء، وهكذا الأمر في العراق، حيث انقلب أشد مناصريه \”أسامة النجيفي\” الى المقلب الإيراني، بعد مشاورات أجراها مع \”قاسمي\”، واتفاقات هادئة مع المالكي، ولم يبق لديه سوى بارزاني، الذي يبدو أنه ما يلبث أن يتحول، سيما بعد اصرار الأتراك على تغذية العداء بين جهاتهم الجهادية التي يدعموها، وقوى الكرد في سوريا. يضاف الى ذلك انهيار الاتفاق بين الأتراك وبين منظومة حزب العمال الكردستاني التركي، وانهيار دورهم الإقليمي، وربما ما تبقى فقط كرابط حقيقي بين الإقليم وبين أنقرة، هو مسألة تهريب النفط، والذي يعد حزب العدالة والتنمية، هو المستفيد الأول من فسادها. 

بعد هذه اللائحة من التشخيص، نعتقد أن حراكا يتصاعد في تركيا، مرتكزا الى الغضب الشعبي العارم لسياسة أردوغان، وتململا من جهة أحزاب المعارضة التقليدية، واليسار التركي، والعسكر الذين تلقوا الضربة الأكثر وجعا في تأريخهم على يد أردوغان، وهم كما يبدو أهم اللاعبين في الكواليس. والسؤال اليوم هل بات أردوغان بحاجة الى ايقاظ المارد العسكري التركي، ليشكل له طوق نجاة، أم أنه سيمضي قدما في التحدي مرتكزا على التمدد في محاولة للبقاء قيد حجمه السابق، أم أن حراكا استخباراتيا بدأ بالفعل في الكواليس الجغرافية التركية، ثمة من يشير الى عمل استخباري على قدر كبير من السرية، سينتج عنه، ثورة تركية تطيح بأردوغان، وتحمل شخصية حددت من \”أزمير\” لتحتل موقع الصدارة، وأن مجموعة من الشركات الكبرى ودول الغرب هي الراعية لهذا الحراك، وثمة من يشير الى أن زمن الثورات ولى تماما، وأن العلاج سيكون بإشاعة الفوضى الإرهابية في تركيا، لدفع العدالة والتنمية الى التنحي، وتفضيل استعادة العسكر لأدوارهم، لكن كل تلك السيناريوهات تشير الى \”إزاحة أردوغان\” والتي أعتقد أن تصفيته ستكون أهونها من الجانب العملياتي، لأنها تحتفظ بالمؤسسة التركية، وتتيح التهديد الذي يدفع بالعدالة والتنمية الى التراجع، ويقدر للشعب الجمهوري أن يستعيد دوره المفقود. ثمة من يقول إن كلفة انقاذ أردوغان ستكون أكثر من كلفة قتله. وأنا أرجح الخيار الآخر، الذي أعتقد أنه سيأتي عقب ازدهار بعض العمليات الإرهابية الناعمة هناك.

إقرأ أيضا