تتصاعد التحذيرات حول تقارير عن تهريب العراق للخام الإيراني، وفيما نفت وزارة النفط تلك التقارير، حمل خبراء مختصون، وزارة النفط وشركة سومو، مسؤولية الأمر، وطالبوا بتقديم دلائل لدحض المعلومات الواردة في تقرير وكالة رويترز، محذرين من تداعيات اقتصادية وسياسية وأمنية، في وقت رأى آخرون أن هذه الاتهامات غير واقعية بسبب امتلاك إيران طرق تهريب أسهل.
ويقول خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قضية تهريب النفط الإيراني عن طريق جهات عراقية ظهرت في تقارير لرويترز التي عرضت وثيقة لشحنات نفط إيرانية، يبدو أنها صادرة بحسب المنشأ من شركة سومو التي تتولى تصدير النفط العراقي”.
وتحدثت مصادر مطلعة لـ”رويترز”، في كانون الأول ديسمبر الماضي، عن شبكة معقدة لتهريب زيت الوقود، يعتقد بعض المراقبين أنها تدر ما لا يقل عن مليار دولار سنويا لإيران ووكلائها، مشيرة إلى أنها ازدهرت في العراق منذ تولي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني منصبه في عام 2022.
ووفقا لشيرواني، فإن “التقارير أكدت أن هذا النوع من الشحنات استمر لأكثر من سنتين، وكانت كلفة النفط المنقول بهذه الطريقة المهربة تعادل مئات الملايين من الدولارات، وقالت إن هذا لا يمكن أن يتم دون أن تكون هناك جهات متنفذة داخل وزارة النفط تقدم شهادة منشأ غير صحيحة أو مزور لشحنات من النفط الإيراني، في محاولة للالتفاف على العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني”.
ويشير إلى أن “الجهة التي يمكن تحميلها المسؤولية هي وزارة النفط وشركة سومو، فمن غير المستبعد إذا ما تم التحقق من تقارير رويترز أن تصدر عقوبات على النفط العراقي، وستكون الآثار وخيمة على الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على النفط كإيراد بنسبة 90 بالمئة، وفي ظل الوضع الحالي والعجز في الموازنة فلن يتحمل الاقتصاد العراقي أي عقوبات تؤدي إلى تأزيم الوضع المالي والاقتصادي”.
ويأمل الخبير النفطي، أن “تكون لدى الحكومة العراقية إجابة واضحة تفند ما جاء في هذه التقارير وتثبت بالدليل عدم صحة ما جاء فيها”، معتقدا أن “تلك الرواية إذا صحت فلا يمكن أن تكون تلك الجهات الضالعة في تهريب النفط الإيراني رسمية حكومية، بل أقرب إلى أن تكون حزبية مقربة من إيران”.
وتستغل عملية التهريب سياسة حكومية يخصص العراق وفقا لها زيت وقود لمصانع الأسفلت بأسعار مدعومة بشدة، وتشارك فيها مجموعة من الشركات والفصائل والأفراد في العراق وإيران ودول الخليج، بحسب مصادر وثلاثة تقارير استخباراتية غربية يعود تاريخ اثنين منها إلى آب أغسطس من العام الماضي بينما الثالث غير مؤرخ.
وتعد إيران جارها وحليفها العراق بمثابة رئة اقتصادية لها وتمارس نفوذا عسكريا وسياسيا واقتصاديا كبيرا هناك من خلال الفصائل الشيعية القوية والأحزاب السياسية التي تدعمها.
من جهته، يشير الخبير المختص بإدارة الأزمات علي جبار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “تهريب النفط الخام الإيراني عبر العراق يمكن أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة على المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، خاصة بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران”.
ويضيف جبار، أن “الولايات المتحدة ودولا أخرى قد تفرض عقوبات على الشركات العراقية أو الجهات الحكومية المتورطة في تهريب النفط الإيراني، كما يمكن أن تتعرض المصارف العراقية لعقوبات أو قيود على التعاملات المالية الدولية، مما يضر بالقطاع المصرفي والاقتصاد الوطني، فضلا عن القيود على صادرات العراق النفطية إذا تبين أنه يسهل تهريب النفط الإيراني، إذا تم فرض قيود على تصدير النفط العراقي، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض إيرادات الدولة وارتفاع العجز المالي”.
وإضافة إلى التأثير الاقتصادي، يجد جبار، أن هناك “تأثيرات سياسية ودبلوماسية كتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها، فالعراق يعتمد على التعاون مع واشنطن والدول الأوروبية في عدة مجالات، مثل الاستثمار والتدريب العسكري، وقد تتأثر هذه العلاقات سلبا”، مشيرا إلى أن “الحكومة العراقية قد تواجه انتقادات واسعة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن إذا تم إثبات تورطها أو تساهلها مع تهريب النفط الإيراني”.
وعن التأثيرات الأمنية، يؤكد الخبير المختص بإدارة الأزمات، أن “البنية التحتية النفطية العراقية قد تتعرض لهجمات أو عقوبات بسبب الاتهامات بتسهيل تهريب النفط الإيراني، كما أن تهريب النفط غالبا ما يكون مرتبطا بجماعات غير قانونية أو مسلحة، مما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات الأمنية داخل العراق”.
ويوصي الخبير لتجنب ذلك، بـ”تعزيز الرقابة على الحدود والموانئ باستخدام تقنيات حديثة لكشف عمليات التهريب، والتعاون مع المجتمع الدولي لضمان الامتثال للعقوبات وتجنب فرض أي عقوبات جديدة على العراق وتطبيق القوانين بصرامة وملاحقة أي جهات متورطة في عمليات التهريب لضمان الشفافية في قطاع النفط”.
وفي أيلول سبتمبر العام الماضي، وجه أعضاء في الكونغرس الأمريكي رسالة إلى الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، يتهمون فيها عدة أطراف عراقية، بينها أطراف في وزارتي النفط والنقل وشركة “سومو” وغيرها، بما في ذلك فصائل عراقية، باستغلال النفط العراقي وتهريبه لصالح الخزينة الإيرانية والحرس الثوري، وطالب أولئك الأعضاء بإنزال عقوبات أمريكية ضد المتورطين، منتقدين عدم إعادة تشغيل خط النفط الناقل من إقليم كردستان الى ميناء جيهان التركي.
ونفت وزارة النفط، أمس الأول الأحد، ما جاء في نصّ الرسالة التي وجهها أعضاء الكونغرس لبايدن، وقالت الوزارة في بيان صحفي: “ردا على رسالة بعض أعضاء الأمريكي إلى الرئيس بايدن حول مزاعم وافتراءات تخص القطاع النفطي العراقي، نود أن نوضح ابتداء أن كل ما قيل بالرسالة ليس له أساس من الصحة والصحيح فقط ما جاء في النص بأنها (مزاعم) ولا ترقى إلى أنها معلومات”.
وأضافت الوزارة، أن “العراق ملتزم بأعلى معايير الشفافية فيما يتعلق بإنتاج النفط وتصديره، ويتم نشر جميع البيانات المتعلقة بذلك بانتظام وبالتفصيل عبر القنوات الرسمية، ولا تتعامل وزارة النفط إلا مع عدد من الشركات العالمية الرصينة”.
من جهته، يعتقد الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تهمة تهريب الخام الإيراني عبر العراق غير موجودة في الواقع، لأن طرق التهريب في العالم أقرب إلى إيران منها للعراق”.
ويشرح حنتوش، أن “إيران مطلة على بحر قزوين الذي يحاذي روسيا، والتهريب عبر ذلك الطريق بالنسبة لإيران أكثر سهولة، أما طرق التهريب من العراق فهي عبر منفذ الخليج العربي ومضيق هرمز، وإيران لديها إطلالة على الخليج أكبر مما يمتلك العراق، لذا يمكنها التهريب عبر مضيق هرمز، وهي ليست بحاجة للعراق في التهريب من هذه الطريق”، منبها إلى أن “هذه الاتهامات وإن كانت من دون دلائل فإنها تضر بالاقتصاد العراقي، خاصة أن البلد يعتمد كليا على النفط في إيراداته”.