صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

وأخيرا استفاقت جامعة العرب!!

راهن الصهاينة كما في الحروب السابقة على بث الرعب في شعب غزة ومحاولة دفعهم للتخلي عن الفصائل المقاومة. ورغم فداحة الخسائر وبشاعة الجرائم خاب ظن الصهاينة إذ ازداد ولاء شعب غزة للمقاومة قوة، خاصة في ضوء أدائها العسكري والسياسي النوعي والمُبهر، فقد تكبد الجيش الصهيوني خسائر جمة في الأرواح والسمعة، لكن الحرب المستعرة ضد غزة ومقاومتها كشفت إلى أي مدى وصل حجم تآمر بعض الأنظمة العربية مع الصهاينة، فلم تكتف هذه الأخيرة بنفض يدها من قضية العرب والمسلمين الأولى فقط، بل تحولت إلى شريك صريح بعدما كان مُضمراً في العدوان ومحرضا شرس على الاستمرار فيه، وهذا ما صرح به قادة الصهاينة أنفسهم حيث تفاخروا أمام وسائل الإعلام بتوفرهم على أرصدة إستراتيجية ضمنتها تلك الأنظمة.

 

واليوم مضت على تأسيس الجامعة العربية تسعة وستون عاماً والاعتداءات تتوالى على الشعوب العربية إن كان في كرامتها أو في أرضها، ولم نرها قد تصدت لأي اعتداء تعرضت له شعوبها أو الوقوف إلى جانبها بدءاً من القضية الفلسطينية إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وولادة سايكس بيكو2، إضافة إلى الأحداث التي تجري في سوريا واليمن والعراق والصومال والسودان وليبيا وغيرها.

 

إن إرسال جامعة الدول العربية بعثة وزارية إلى غزة، دون تحديد طبيعة مهام البعثة، تجعلنا نقف مستغربين من هذا الصمت الفاضح للجامعة، وموقفها المتخاذل إزاء القضية الفلسطينية والقصف الهمجي والعدواني على غزة، كما لو أن فترة الحرب على غزة التي استمرت أكثر من شهر واستعمل فيها الصهاينة كل أشكال الإجرام من قتل وتدمير لم تكن كافية ليكّون أعضاؤها صورة وموقفا واضحا تجاه هذه الأحداث، وبالمقابل كانت هناك السرعة الفائقة التي قامت على إثرها الجامعة بتفعيل المادة 18 من ميثاقها وتجريد سوريا من عضويتها، في حين تلكأت في القيام بأي خطوة عملية تهدف لوقف الأعمال العدوانية لجيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة. وعليه، كان من المفروض على مجلس الجامعة تفعيل المادة 6 من الميثاق، التي تنص صراحة على أنه في حالة وقوع أي اعتداء على دولة من أعضاء الجامعة، فإنه يتوجب عليه أي \”المجلس\” تقرير كل التدابير اللازمة لدفع هذا الاعتداء، وهي تدابير تضمنتها معاهدة الدفاع العربي المشترك، بما فيها استخدام القوة مع إنشاء قيادة عسكرية موحدة دائمة. والطامة الكبرى أن سعي الجامعة لإرسال هذه البعثة، لم يأت إلا بعد قبول أطراف الصراع بالمبادرة المصرية كإطار عام للمفاوضات في القاهرة، كما لو أن عمل الجامعة مرتبط فقط بحالة السلم، وهذا تضليل خطير يهدف للضرب بعرض الحائط بنود الميثاق.

 

وما يثير الشفقة على هذه الجامعة ويخلق الاستياء في نفوس الشعوب العربية هي المواقف القوية والداعمة من قبل دول أمريكا اللاتينية شعوباً وحكاماً لأهل فلسطين وغزة بينما تتقازم المواقف لزعماء العرب ويغوص بعضها في وحل دعم وتأييد وخدمة عدو العرب الأول \”الكيان الصهيوني\” وبشكل مكشوف وواضح ومن دون استحياء أو ضمير فيما إسرائيل تفعل كل ما تريد في أرض فلسطين المحتلة.

العرب أخيرا يتفرجون ولا يدينون، والغريب في الأمر أن كل هذا الذي يدور من حولنا، والذي يعتبر من أكبر المؤثرات في مستقبل أمن وسلام أجيالنا وأوطاننا، ونحن ندور حول أنفسنا، ونحتج وندد ونعترض ونجتمع، فجامعة دول كبيرة مثل الدول العربية، وهي تواجه الأزمات التي تهدد مصيرها وكيانها ومستقبلها، يكاد ينحصر نشاطها في ندوات ورحلات وتصريحات خجولة وبيانات ضعيفة، ومراسم احتفالية وطقوس تشريفاتية، بينما الشارع العربي لا يستطيع أن يحصي ضحاياه.

 

في إطار ذلك يمكنني القول إن صمود المقاومة الفلسطينية في غزة أسقط الوهم الذي زرعه الكيان الصهيوني في نفوس العرب من أن الجيش الإسرائيلي لا يُقهر، فكيف لو دعمت هذه المقاومة من العرب، وسلمت من أذى بعضهم وتآمرهم عليها.

 

لقد أحرجت قوى المقاومة كل الشعوب العربية، ومهما نعبر بكلمات الإعجاب والصمود الذي يسطره المقاومون فإننا نشعر بالصغر والتقزّم أمام أطفال غزة ونسائها فضلاً عن رجالها الصامدين، ومجاهديها الذين سطّروا ويسطرون أنصع صفحات البطولة والفداء نيابة عن الأمة كلها، وبالتالي فغزة ليست بحاجة لزيارات تفقد أو حملات تبرع من جامعة الدول، بل هي بحاجة لشحذ الهمم ووضع كل الخلافات جانباً والتوحد من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة.

 

ومن هذا المنطلق نحن اليوم أمام حتمية لا مفر منها لإعادة ترتيب الصف العربي وبناء نظام إقليمي عربي جديد بعيد تمام البعد عن جامعة الدول العربية بصورتها الحالية، ومبني على أساس مشروع حضاري تقوده شعوب متحررة لا تعرف الاستسلام أو الخنوع، وتشكل فيه فلسطين نقطة ارتكاز إستراتيجية.

 

والأسئلة التي تراودني دائماً، هل لا تزال الجامعة العربية على قيد الحياة؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا لا نشعر بوجودها ولا نسمع عن أي من إنجازاتها التي تهم المواطن العربي وتنير له طريق الأمل؟ أما إذا لم تعد على قيد الحياة، فلماذا تصرف الدول العربية مئات ملايين الدولارات من أموال العرب سنوياً على شيء وجوده مثل عدمه؟

 

وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن أجيالنا القادمة لا تحتاج بكل تأكيد إلى جامعة الدول العربية في شكلها ووضعها الراكد الحالي، بل جامعة دول تكون قادرة على إيقاف بعض الدول العربية عن الخلافات وإدارة الصراعات والعنف والقتل الحاصل والممول عربياً، نظراً لوضع العرب المنهار الناتج عن الصراع العربي – العربي والتدخل الخارجي وخصوصاً الإقليمي في شؤون بعض دول المنطقة.

 

* د. خيام الزعبي: كاتب وباحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، Khaym1979@yahoo.com

إقرأ أيضا