واشنطن تهدد الأسد.. ولكن روسيا بالمرصاد

الحرب الأمريكية بالنيابة في منطقة الشرق الأوسط باتت وشيكة جدا، وتصفية (الدولة الإسلامية) أصبحت الذريعة الأساسية لإسقاط نظام الأسد في سورية، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، التي وصف فيها النظام السوري بأنه \”المغناطيس الذي جذب المقاتلين الأجانب من مختلف أنحاء العالم، والذين جاؤوا بهدف العمل على الإطاحة بنظامه\”، فأمريكا دولة عظمى غير محايدة، بمعنى أن لها مصالحها بالشرق الأوسط التي قد تدفعها لإسقاط النظام السوري بدلاً من مواجهة الإرهاب لحماية لإسرائيل، ونكاية في روسيا، بالإضافة لإعادة ترسيخ الهيمنة الأمريكية مجددا من خلال إقامة قواعد عسكرية جديدة والسيطرة الكاملة على الثروات النفطية، وإعادة رسم الخريطة السياسية للمشرق العربي على نحوٍ يؤدي إلى قيام كيانات موزعة في سورية ولبنان والعراق على أسس قبلية أو مذهبية أو اثنية، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل يمكن أن يصل الصراع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وروسيا وحلفائها في محور المقاومة من جهة أخرى إلى حدّ حصول صدام عسكري جوي بينهما في سماء سورية؟ وهل ستحقق واشنطن من هذا التحالف أهدافه في تصفية (الدولة الإسلامية) والهيمنة على المنطقة وثرواتها؟

 

التدخل الجوي الأمريكي والغربي فشل في القضاء على تنظيم \”القاعدة\” على مدى السنوات الماضية في اليمن، مثلما فشل قبلها في أفغانستان والعراق، ومرشح للفشل المزدوج في ليبيا وسورية. الأمر الوحيد الذي سيحصل إن الضحايا سيكونون هذه المرة كلهم من العرب والمسلمين، سواء كانوا في معسكر التحالف أو المعسكر الآخر المقابل له، فلن يكون هناك جنود أمريكيون على الأرض، مثلما كان عليه الحال في الحروب السابقة في العراق وأفغانستان، وإنما عرب يقاتلون ويقتلون عربا ومسلمين، فإستراتيجية أوباما التي أعلن ظاهرها وفشل في إخفاء باطنها، هي وصفة ناجعة تضع المنطقة على حافة الهاوية لحرب إقليمية قد تتطور سريعاً إلى حرب عالمية.

 

كما تعتبر روسيا الولايات المتحدة المحرّك والقائد الفعلي للتكتل الإقليمي والدولي المتخذ من (داعش) ستاراً لحربه الباردة المتصاعدة في سخونتها ضدها وضد حليفتيها إيران وسورية في المنطقة، فقد رافق خطة أوباما ومؤتمر جدة إعلان عقوبات أمريكية وأوروبية إضافية ضد روسيا، وذلك رداً على سياستها في أوكرانيا، كما طلبت إدارة أوباما من الكونغرس الأمريكي تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لدعم المعارضة السورية، وهو ما حصل، فضلاً عن إعلان موافقة السعودية على إقامة معسكرات تأهيل وتدريب لقوات المعارضة السورية في أراضيها. بإيجاز شديد، تعمل الولايات المتحدة على إستخدام الدخان الكثيف للتحالف ضد الإرهاب، إلى إطلاق موجة إرهابية جديدة في سورية، من شأنها، أولاً، استنزاف القوة السورية، وثانياً، إظهار الجيش السوري كقوة عاجزة عن مكافحة الإرهابيين، وثالثاً، الضغط على السوريين وحلفائهم للتفاوض حول حل يستبعد الرئيس الأسد في سياق صفقة يبقى فيها النظام ويغدو عضواً في التحالف الأميركي ضد الإرهاب، تقريباً كما حدث مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وهذا ما كشف عنه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حين عبر عن قلقه \”من أن تستغل الولايات المتحدة العمليات العسكرية ضد داعش، لتوجيه ضربات للجيش السوري بهدف إضعافه\”، معنى كلام لافروف واضح، وهو أن واشنطن ستتجه ليس فقط إلى توجيه ضربات جوية إلى مقار \”داعش\”، بل أنها ستستخدم حربها الصورية على الإرهاب، لضرب وإضعاف القوات السورية.

 

وبالتالي يمكن الاستشفاف من تصريحات أوباما ووزير خارجيته كيري إستراتيجية هجومية لواشنطن ضد روسيا تمتد من أوكرانيا في شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط الكبير، وأن هذه الإستراتيجية تستهدف في بعض جوانبها كلاًّ من سورية والعراق ولبنان وإيران وتنظيمات المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة، ويمكن رصد ردّ روسيا على أمريكا من خلال بعض التطورات أهمها، استعجال روسيا ضمّ إيران إلى منظمة شنغهاي وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون التكنولوجي معها، بالإضافة الى إطلاق صاروخ عابر للقارات للدلالة على قدرة روسيا على خوض حرب على مستوى العالم، والتلويح بإمكان استعمال أسلحة الدمار الشامل في حال تعرّض الأمن القومي الروسي للخطر، فضلاً عن تحذير الخارجية الروسية الولايات المتحدة من خطورة إقدامها على ضرب (داعش) داخل سورية من دون إجازة مسبقة من حكومتها، كونه يشكّل خرقاً لأحكام القانون الدولي.

 

موقف روسيا حاد وملتزم بأمن سوريا وأمن المنطقة ككل باعتبارها منطقة نفوذ إستراتيجي لها في العالم، لذا فإن الحديث عن دعم موسكو للدولة السورية يأتي على وفق التحالفات التي بدأتها الدبلوماسية السوفيتية واستمرت بها الحكومة الروسية بعد انهيار الإتحاد، لتصل إلى مرحلة التأثير الكبير في القرار الدولي منهية حكاية (القطب الأوحد).

 

في إطار ما سبق ما الذي تملكه دمشق عسكرياً لمواجهة احتمالات الحرب التي يمكن أن تخوضها بمجرد أن تقوم أمريكا بدخول الأراضي السورية؟  في الاحتمالات العسكرية لسورية لا يمكن إغفال التعاون الكبير بينها وبقية حلفائها في محور المقاومة، ولأن حلفاءها يدركون مدى قوة دمشق في الرد العسكري بشكل منفرد، يذهبون باتجاه دعمها، لا خوض الحرب بدلاً عنها، ولأن أمريكا تدرك تماماً مدى فاعلية الدفاعات الجوية السورية، إضافة إلى عدم دخول جزء كبير من القوات السورية إلى أرض المعركة حتى الآن، كسلاح البحرية والقوات الخاصة، ولأن سورية تدرك تماماً أن هذه التنظيمات أوجدت داخل أراضيها لتخوض معركة استنزاف لقدراتها العسكرية بما يضعف قوتها في مواجهة أي معركة من أجل إسقاط الدولة السورية من خلال حرب لها محورين، الأول خارجي يعتمد على محور ثان داخل الأراضي السورية، وهذا ما نجحت السياسة السورية في تجاوزه بفضل صمودها خلال الأزمة التي تعاني منها، ولأن واشنطن تدرك خطورة الحرب على سورية، ستجرها نحو مواجهة قد تؤدي إلى انتكاسة كبيرة، فالخوف الأمريكي من هزيمة سياسية أمام روسيا في أي من الملفات الدولية يدفعها للتحرك بحذر في سياسة الأخذ والرد، وعلى ذلك فإن الحديث عن حرب ضد دمشق يعني حرباً ضد موسكو، وبالتالي لا يمكن لإدارة أوباما أن تستفز موسكو بحيث تدخل معها حرباً في أي منطقة من العالم، ما يجعل الإدارة الأمريكية تتروى كثيراً قبل إعلان الحرب ضد سوريا.

 

علينا اليوم العمل على التحضير لمرحلة المواجهة الجديدة التي ستنتقل من الحرب على الإرهاب إلى الحرب على أمريكا التي صنعت الإرهاب وأرادت أن تستعمله لشرذمة وتجزئة المنطقة والهيمنة عليها، وبالتالي إذا كانت حرب أمريكا على الإرهاب هي حرب مصالح ونفوذ، فإن حرب محور المقاومة ضد أمريكا مدعومة من روسيا والصين، هي حرب وجود ومصير، فالمنطقة مقبلة على بركان ثائر، الأمر الذي يضع محور المقاومة وحلفاءه الدوليين أمام خيار واحد إما أن نكون أو لا نكون.

 

* د. خيام الزعبي: باحث سوري متخصص في العلاقات الدولية

إقرأ أيضا