وانقضت العشرة يا أستاذ

بالكاد أتم جيش الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤه احتلال العراق حتى التأمنا نحن بضعة طلاب من كلية العلوم السياسية – جامعة الموصل. جلسنا مبعثرين في قاعة صغيرة اعيد بعض اثاثها المنهوب بجهود ابناء المنطقة السكنية وبدعوة من خطيب الجامع المجاور.

على المنصة الخشبية المستطيلة التي عجز الحواسم عن سرقتها او تكسيرها، وقف استاذنا الدكتور طلال الجليلي (رحمه الله) يحدثنا عن مستقبل العراق ما بعد الاحتلال، والدهشة تطفح من عيوننا وآذاننا وتسيل من افواهنا وانوفنا.

والمحتلون ماضون قدما في انجاز مشروعهم \”الفوضى الخلاقة\”، دمروا البنى التحتية ومؤسسات الدولة كلها، لا امن ولا نظام ولا قانون، العبث هو السيد، كنت اتساءل – ومازلت –  هل يعقل ان ما يجري من تخريب وعبث يأتي في اطار تهيئة الاجواء لظهور \”المخلّص\”! يومها لم اقتنع تماما بهذه الفرضية، مثلما الآن.

انفقت مليارات الدولارات لبناء الدولة لكن اين هي؟ لا شيء كأنما انجبت سرابا. ثم جاء العراقيون ليتسلموا \”السيادة الكاملة\” وها هم يسيرون على نهج اسلافهم، دولتنا تنهار وسلطاتنا تعتقد انها قادرة على اسنادها بأبراج من هواء.

اعود الى استاذي الجليلي، هل تعلمون انه ارخى نظارته على انفه وبدا يخاطبنا من فوقها بعيونه قبل لسانه، لقد توقع يومذاك ان يحقق العراق قفزة نوعية في اعمار البنى التحتية والنهوض بمؤسسات الدولة، خاصة التعليمية والقضائية والصحية لتوازي اكثر الدول تقدما في الشرق الاوسط .

الجليلي توقع في (ايار 2003) ان ينجب العراق في غضون عشر سنوات (اي عام 2013) ناطحات السحاب، وان تتحول الموصل والبصرة الى مركزين تجاريين ينافسان دبي واسطنبول والقاهرة.

لم يمضِ وقت طويل حتى تسربت افكار الجليلي وأمانيه لتتبخر مع بقعة الدم التي سالت من رأسه على الرصيف، ففي عام 2007 اصابته رصاصات غادرة في رأسه ضمن مسلسل استهداف العلماء والكفاءات، وسقطت من يده وردة بيضاء نيسانية، قطفها ليستأنس بها.

غادرنا الجليلي وكثيرون بعده، وتفاصيل ذلك اللقاء مازالت تمر من امام عيني بين الحين والحين.

انقضت العشر سنوات ولم نبنِ او نعمر، المشاريع كذبة باهظة. مثلا ساحة الاسود الصغيرة وسط الموصل انفقت عليها بلدية الموصل نحو 500 مليون دينار، نفذتها امانة – اشك كثيرا في هذه الكلمة، اجد نافوراتها اغلب الصباحات طافحة على نفسها، كطفل لا يسيطر على بوله. ولكم اشفق على تينك الاسدين اللذين حولهما الفساد وسوء التنفيذ والخيانة وانعدام الامن الى دجاجتين بيضاوين.

واذ نتحدث عن المشاريع والبناء والاعمار، اخترت لكم حوارا افتراضيا يناسب الحديث عن مشاريعنا الافتراضية (منقول من فيسبوك):

مسؤول عراقي يسأل نظيره الأمريكي: إنتم كيف تسرقون الشعب؟

الأمريكي: هل ترى هذا المشروع؟

العراقي: اي نعم اراه.

الأمريكي: تكلّفته الفعلية مليار دولار، لكننا كذبنا على الشعب وقلنا انها مليار ونصف المليار.

وأنتم كيف تسرقون، اذن ؟ قال الامريكي.

هل ترى ذلك المشروع امامك؟ سأله العراقي.

الأمريكي: اين ؟ يفرك عينيه يدقق جيدا، لا ارى شيئا قط.

العراقي: كلفنا خمس مليارات دولار!!. 

salihelias@yahoo.com

إقرأ أيضا