صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

وثيقة تمشي على قدمين

الصورة الفوتوغرافية وثيقة تاريخية تقص عليك حكاية فرح هنا او حزن هناك، بناء هنا او هدم هناك، سلام هنا او حرب هناك، ألم هنا، ضحك هنا، بكاء هناك، الا صورة فالح خيبر، المصور العراقي المعروف، فصورته لا تصور إلا الحرب، لا للبس فيه وفي شخصه الشفاف، لكن، لانه يعيش في حمام دم وحديقة حروب مزروعة بالموت والفجيعة، وربما لهذا السبب، حمل كاميرته المدماة، لا لينفذ واجبا كلف به من الجهة التي يعمل عندها (وكالة رويترز) بل بدافع انسانيته أولا وعراقيته أيضا.

شهد العراق في السنوات العشر الأخيرة (2003-2013) حزنا كبيرا، فراق أحبة، وضياع مصائر، وألم يسكن البيوت، يخطف هذا ويفتك بذاك، لكن، كانت هناك عين تتجسس على الحقيقة، تلتقط لها الصور الوثيقة، ثم تسافر بها لكل العالم عبر قنوات الوكالات الإخبارية لتقول: ثمة شعب يقهر، وطن يستباح، مرة باسم القومية، ومرة باسم الديموقراطية، وأخيرا باسم الدين والطوائف.

كل هذا، ورغم هذه الصراعات، تبقى هذه العين واقفة على الحياد، تمارس عملها وهي تبكي وتخاف مثلها مثل الناس الذين تصورهم، وأقول الناس، لان الانسان يقف في مقدمة اهتمامات المصور الحربي فالح خيبر، الانسان الذي يغفو تحت سماء مليئة بالطائرات، وفوق ارض مليئة بالزنازين والغرف المظلمة والالغام، يتلحف هموم غده، ويتوسد الخطط التي تحمي نفسه وعياله.

كلنا نتذكر صورة الكاميرا الملقاة على الأرض والملطخة بدم المصور الذي كان يحملها، هذه الصورة التي أصبحت شعارا للاضطهاد والعنف الذي يتعرض له الصحفي، انها كاميرا فالح خيبر نفسها التي رافقته في أيام احتلال العراق عام 2003، يومها اطلقت دبابة أمريكية قذيفة حمقاء على مبنى فندق الميرديان في قلب بغداد، وصادف ان كان فالح ومعه مجموعة من المصورين الأجانب يلتقطون الصور الى نهر دجلة حيث تقف على الجانب الاخر منه، دبابات أمريكية وأخرى عراقية محترقة، يومها أصيب فالح بأصابات خطيرة، وسقط هو وكاميرته مضرجا بدمه، استشهد من استشهد من الأجانب اما هو، ورغم انه تقطع الى أشلاء تم جمعها فيما بعد، فقد ابقاه القدر على قيد العراق ليصور فيما بعد عشر سنوات من همنا وخوفنا ورعبنا وألمنا وضياعنا ونحن نحاول ان نصنع وطنا جديدا، نصارع فيه الإرهاب اليومي والفاسدين، وهو يصارع اللحظة كي يوقفها عن الزمن، وثيقة لعصر مرّ نعيشه.

في قاعة جمعية المصور العراقي، عرض فالح خيبر صوره، صور عشر سنوات من الحرب، تجولنا وسط خرابنا، ادركنا كم مرت بنا من احداث، تنسيناها احداث جدد، فالح يقول لنا لا تنسوا، لا تنسوا الطفل علي الذي بترت اطرافه، الطفل الذي صوره فالح وبث صوره فصرخ العالم قهرا ضد الحرب على العراق، وبفضل الصورة هذه، تم نقل علي الى الكويت لعلاجه ثم الى لندن، ليعيش هناك بعد ان فقد كل افراد عائلته في التفجير الذي اودى باطرافه واحلامه في العيش في بلد آمن.

لا تنسوا الرصاص المضيء وهو يمشي على جدراننا. لا تنسوا هذا المسن الجريح والشباب يحملونه على اكتافهم ليعبروا به حافة الطريق الملغوم بالسيارات المفخخة. لا تنسوا… وعشرات بل مئات اللقطات المفجعة التي يجب ان تبقى عالقة في ذاكرة الأجيال القادمة كي تتحذر مما وقعنا نحن فيه.

فالح خيبر لا يخاف… وهو يوثق خوفنا، صراخنا كما في لقطة النساء الراكضات وهن يصرخن بوجه التاريخ، ربما على عزيز رحل او خراب حل.

فالح خيبر، وثيقة تمشي على قدمين، بيده آلة سحرية، يرسم بها الضوء، علّه ينبلج ذات امان في نهاية النفق الحزين، العراق.

شكرا لك فالح لأنك نقلت ألمنا الى العالم.

إقرأ أيضا