صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

وهم الترجمة.. هل يهتم أحد بترجمة الأدب العراقي؟

بين حين واخر تطغى اوهام تملأ سماء الثقافة في العراق حتى تصير غماما كثيفا يحجب الرؤية ويغطي حتى الجلي والواضح والثابت واحيانا البديهي ايضا… مؤخراً صارت هذه الظواهر المبنية على الوهم والتضليل اكثر من ان تحصى، واكبر من قدرة التتبع النقدي الجاد، هذا ان كان للتتبع الجاد سوق في ظل كل هذه الفوضى

بين حين واخر تطغى اوهام تملأ سماء الثقافة في العراق حتى تصير غماما كثيفا يحجب الرؤية ويغطي حتى الجلي والواضح والثابت واحيانا البديهي ايضا… مؤخراً صارت هذه الظواهر المبنية على الوهم والتضليل اكثر من ان تحصى، واكبر من قدرة التتبع النقدي الجاد، هذا ان كان للتتبع الجاد سوق في ظل كل هذه الفوضى التي ينفق عليها الوقت والجهد والمال، بل وصل الحال الى ان لمروجي الاوهام جيوش من المعجبين والمستفيدين يعملون على اغراق كل بادرة نور في ظلام اوهامهم ويخلطون الحابل بالنابل، ويستغبون الناس لتظل اوهامهم وضلالهم متسيدا دافعا الرأي السليم الى الخلف ومكتفيا بعاصفة التراب الكثيف الذي اثارته قرقعة العربات الفارغة.

                                  

في هذا المقال سوف احاول نقاش كذبة شاعت وروج لها البعض وهي عالمية الادب العراقي ودليل جودته التي برهانها ان هذا الادب يترجم الى لغات اخرى ويتسابق المترجمون على ترجمته. فهل الادب العراقي والعربي عموما موضع اهتمام غربي فعلا ام انه ادعاء يخفي خلفة ما يخفي؟.

ولأني لست مترجمة سوف استعين بآراء مترجمين معروفين لهم صيتهم في هذا المجال وعملوا به لسنوات وقدموا رؤيتهم الجادة عن الموضوع؛ لكن لابد ان نفرق في بداية حديثنا بين الترجمة في امريكا والترجمة في اوروبا.

عن الترجمة في الولايات المتحدة الامريكية يذكر الاستاذ عادل سالم رئيس تحرير موقع ديوان العرب الثقافي ان النشر في الولايات المتحدة امر بالغ الصعوبة لأنه لا يتعلق بقيمة النص الادبي بقدر تعلقه بقدرة دار النشر على تسويقه. وتحقيق الارباح الكبيرة عند بيعه، ويؤكد الاستاذ عادل ان بيع كتب الكتاب الامريكان غير المشهورين امر صعب جدا فكيف بالكتاب العرب الذين لا يهتم لهم القارئ الامريكي اصلا. ويشير الى ان كتب الكتاب العرب المشهورين مثل نجيب محفوظ لا تزيد النسخ المطبوعة لهم عن 300 نسخة توضع في المكتبات العامة والجامعات المهتمة.

ويذكر ايضا ان اي كاتب عربي يقوم بترجمة كتابه للإنجليزية في امريكا عليه ان يجد مترجما ملما بالأدب الامريكي والثقافة الامريكية وان يكون مستعدا لدفع مبالغ مالية كبيرة، اي يقوم بالعمل كله على نفقته الخاصة وهنا سيواجه مشكلة توزيع الكتاب في دولة مساحتها كمساحة العالم العربي كله.. سيحتاج عاما كاملا ليعرف اين محلات بيع الكتب، وعناوينها ليتصل بها ويقنعها ببيع كتابه وعليه ان يشحن الكتب على نفقته وينتظر ان يبيعها صاحب المكتبة هذا ان وافق على بيعها ..ويشير الاستاذ سالم الى ان فن بيع الكتاب في الولايات المتحدة له شروطه ودعايته وتسويقه الذي تسيطر علية دور النشر الكبرى والمتخصصة. واخيرا يقول: لا يوجد كاتب عربي مقيم نشرت له دور النشر المعروفة كتابا ابدا وكل ما يحدث ان الكتاب يتحملون كلفة طباعة وترجمة كتبهم ويضعونها في البقالات التي تبيع للعرب المتواجدين هناك.”1″

اما في اوروبا فالأمر مختلف قليلا من بلد لآخر اذ تتصدر فرنسا الدول المهتمة بالأدب العربي، وهنا سنستعين بآراء الكاتب جمال شحيد في مقال نشره في مجلة الآداب لخص فيه طبيعة العلاقة بين الادب العربي والترجمة الى الفرنسية تتبع فيه تاريخ ترجمة الادب العربي الحديث الى الفرنسية الذي بدأ في الخمسينيات في دار نشر صغيرة نشرت اعمال محمد تيمور، وتوفيق الحكيم، وكتاب الايام لطه حسين، ثم توقفت هذه الدار واختفت مطبوعاتها ولم يعد احد يتذكرها. وفي الستينيات اصدرت ترجمة رواية انا احيا لليلى بعلبكي في دار نشر جوليار ثم ترجمت مجلةorient  مجموعة من قصص واشعار كتاب فلسطينيين وسوريين ولبنانيين. ويؤكد شحيد ان اهتمام الفرنسيين انحسر حين اندلعت حرب الجزائر لان القارئ الفرنسي العادي لم يكن يقرأ هذا الادب ولم يهتم به يوما.

اما المستشرقون الكبار امثال (والكلام لازال لشحيد) ريجيس بلاشير وكارا دي فورميل ولويس ماسينون..الخ  فكانوا يؤثرون الادب العربي القديم ويعتبرون الادب العربي الحديث ركيكا هزيلا لا يستحق عناء المتابعة.

كما صدر في الستينيات عن دار “سوي” 3 مجلدات جمعت فيها مختارات من القصص والرواية العربية وزاد من رصيد الترجمة دار سندباد في السبعينيات وكانت الجمعيات العربية تدعمها ولاسيما الجزائرية ترجمت للطيب الصالح، وادونيس ،وعبد الوهاب البياتي، ونجيب محفوظ، وجمال الغيطاني، وفؤاد التكرلي، وحنا مينا واسماء اخرى لكن هذه الدار واجهت مشاكل تمويل ادت الى انحسار نشاطها. يرى شحيد ان من يهتم بالأدب العربي الحديث من الفرنسيين هم ابناء الجالية العربية غالبا ممن لا يتكلمون العربية وطلاب اللغة العربية في الجامعات الفرنسية ويتم تجاهله غالبا في الصحف والبرامج الترويجية. ورغم ذلك تظل فرنسا الاهم بين دول اوروبا في تقبلها واقبالها على الادب العربي. وهي تدعم مشاريع ثقافية بين الفينة والاخرى ليتم تقبل الادب العربي في فرنسا واوروبا عموما.”2″

في الثمانينيات زادت الإصدارات العربية المترجمة الى اللغة الفرنسية وما تلاها في التسعينيات والالفية الثانية لكن احصاءات تؤكد ان نسبة ما يصدر في هذه الدور لا يمثل سوى 3% من مجموع اصداراتها.”3″ مع تسيد النظرة الاستشراقية التي تبيح للمترجم التحكم بالنص وفق ما يراه مناسبا للذائقة الفرنسية والمعايير المعتمدة هناك.

وتجدر الاشارة الى ترجمة رواية لغة السر للكاتبة اللبنانية نجوى بركات وصدرت عن دار سندباد، قام بترجمتها فيليب فيجرو. كذلك ترجمت رواية حارث المياه للكاتبة اللبنانية هدى بركات عن دار اكت سود، كما صدرت احدى روايات الكاتبة العراقية انعام كجة جي لدى دار جيلمان ضمن سلسلة من العالم اجمع. وغيرها من الترجمات لكتاب من المغرب العربي، لكن هذا لا يعني تحول الكاتب الى اديب عالمي بسبب هذه الترجمات التي تظل محدودة في سوق البيع مقارنة بغيرها من الكتب المترجمة الى الفرنسية. وتظل المسألة اعتبارية للكتاب السابق ذكرهم.

ويرى شيخ المترجمين الالمان من العربية هارتموت فيندريش ان شعرية الرواية العربية تقف حائلا امام ترجمتها للألمانية لأنها تتعارض مع العادات القرائية الالمانية, فضلا عن ان الادب العربي لازال يعامل بأستخفاف.”4″ فالكثير من الصور والتشبيهات العاطفية والفكرية مما لا يمكن ان تتقبله الذائقة الالمانية الان.

وفي ندوة عن مشكلات نشر الرواية وتوزيعها عقدت في القاهرة قالت المترجمة الايطالية ايزابيلا كاميرا دافليتو التي تقوم بتدريس الادب العربي المعاصر في جامعة نابولي: لا يوجد نجاح كبير للرواية العربية في ايطاليا بالرغم من وجود ترجمات جيدة الا انها لازالت توزع على نطاق ضيق. والسبب وجود موقف سياسي ضد الدول العربية. وان الاهتمام بالرواية اللاتينية يفوق كثيرا الاهتمام بالرواية العربية في إيطاليا كما في اوروبا كلها.

وفي نفس الندوة ذكرت المترجمة السويدية مارينا ستاج ان دور النشر الكبيرة في السويد لم تنشر ولا كتابا واحدا لكتاب عرب والقليل الذي صدر عن دور صغيرة مثل دار الحمراء التي يملكها هشام بحري.”5″

وتخضع الترجمة الى الانكليزية لنفس المعادلات التي ذكرت سابقا فالأدب العربي الذي يترجم ليس الادب الذي يمثل الصورة الافضل عن الثقافة العربية وانما الادب الضعيف والمتوسط الذي يركز على سلبيات المجتمعات العربية والاسلامية اذ يتم الترويج لهذا النوع من الكتابة التي عرفها الدكتور المترجم أحمد الشيمي (الترجمة المسيسة) في مقال له عن تجربته في الترجمة نشر في مجلة العربي الكويتية.”6″

وهذا بالضبط ما يحدث مع الادب العراقي المترجم مؤخرا  الى الانكليزية هو تبني سياسة مغايرة لسياسة الولايات المتحدة الامريكية، لذا يتم الترويج لأدب سطحي وضعيف لكن يرسم صورة مخملية للعراق قبل الاحتلال الامريكي. في محاولة لمعارضة السياسة الامريكية عبر الترويج لثقافة مغايرة. بالنتيجة الهدف ليس الاهتمام بأدبنا ولا ثقافتنا انما هي سياستهم وصراعهم فيما بينهم، وما نحن الا تلك العتبات التي يدوسونها للوصول لأهدافهم السياسية.

ليت اليوم الذي يدرك فيه شبابنا ان لا احد يهتم بنا وبثقافتنا لا يكون بعيدا… ويتوقفوا عند الهدف من الثقافة وهو فعل الوعي والتساؤل النقدي الجاد والمستمر.. فلا يسلموا عقولهم لمثيري الضباب، والكاذبين فبرغم كل شيء يظل العراقي ذلك القلق الذي لا يرتاح للإجابات الجاهزة ويغور عميقا في جيناته سؤال المعنى والجدوى منذ ان غادر كلكامش بحثا عن سر الوجود.

 

  1. ينظر: النشر الادبي في الولايات المتحدة، عادل سالم، موقع ديوان العرب الالكتروني

http://www.diwanalarab.com/spip.php?article43153

  1. ينظر: ترجمة الادب العربي الحديث الى اللغة الفرنسية، جمال شحيد، موقع انفاس نت نقلا عن مجلة الاداب في عددها7/8 يوليو واغسطس 1999 .

http://www.anfasse.org/2010-12-29-18-25-49/2010-12-30-15-59-04/986-2010-07-02-18-01-02

  1. ينظر: باريس.. اهلا ايها الكتاب العربي، انطوان جوكي، العربي الجديد، 19 يوليو، 2014 .

https://www.alaraby.co.uk/culture/5daa4f18-af38-47e0-9a95-b0c410e45d88

  1. ينظر: من الخائن في ترجمة الادب العربي؟، الموقع الالكتروني لجريدة الاتحاد،علي المقري، 12 فبراير، 2009 .

https://www.alittihad.ae/article/5636/2009/من-الخائن-في-ترجمة-الأدب-العربي-

  1. ينظر: مشكلات نشر الرواية وتوزيعها، حمدي عابدين، الشرق الاوسط، 23 اكتوبر، 2003 ، العدد 9095 .

http://archive.aawsat.com/details.asp?issueno=8800&article=199156

  1. ينظر: حوار مع الدتور احمد الشيمي. حاوره نور سليمان احمد، نشر في مجلة العربي الكويتية ، العدد619، اكتوبر ، 2018 .

إقرأ أيضا