صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

يبدأ بـ”الزغاريد” وينتهي بالكوابيس.. زواج القاصرات يفتك بالمجتمع وسط غياب الدولة

“زغارید وتصفیق وموسيقى ورقص.. وفجأة وجدت نفسي على سریر رجل لا أعرفه”، هكذا بدأت سماح (16 عاما)، في رواية قصة إجبارها على الزواج بشخص من دون رغبتها.

“زغارید وتصفیق وموسيقى ورقص.. وفجأة وجدت نفسي على سریر رجل لا أعرفه”، هكذا بدأت سماح (16 عاما)، في رواية قصة إجبارها على الزواج بشخص من دون رغبتها. 

لم يكن أمام سماح (اسم مستعار)، أي منفذ للهروب في تلك اللحظة، ولا يوجد شخص تلجأ اليه، فالطلاق بعد فترة هو أفضل الحلول التي كانت أمامها، حسبما تصف شعورها وهي جالسة ببدلة الزفاف على السرير.   

لم يكن عليها التعامل مع زوج لا تعرفه، بل كان عليها أن تجيد ذلك مع عائلة وجدت نفسها وسطها، والمكونة من والدة الزوج وشقيقاته السبع وأشقائه الثلاثة، حتى أنها كانت تصف وضعها بينهم بـ”الفریسة” التي انقضوا عليها في الیوم الثاني من الزواج، لیملؤوا عليها واجبات المنزل وما يجب أن تفعله ومتى تنام أو تستیقظ، فيما زوجها كان يلتزم الصمت وينصاع لرغبة والدته، وحين يعود من العمل فانه یضربها لأتفه الأسباب من قبيل كيّ ملابسه أو لمجرد تصفح الهاتف النقال، كما تقول.

وتظهر الأرقام الرسمية، 34 بالمائة من الفتیات اللواتي تتراوح أعمارهن بین 15 – 17 عاما، أرجعن أسباب ضرب الزوج لزوجته إلى مبررات تتعلق بالخروج بلا إذنه أو احتراق الطعام دون قصد، بینما ترتفع هذه النسبة لدى الفتیات بين 18 – 19 عاما لتصل إلى 35 بالمائة للأسباب ذاتها.

“كان یستخدم عصا سمیكة او خرطوم میاه لیضربني، وكنت أصرخ حتى أفقد الوعی بین یدیه فیتركني”، تتحدث سماح بألم خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، وتشیح النظر بعیدا، خجلا من نزول دموعها المترقرقة في عینيها. 

وتواصلت “العالم الجدید” مع صادق علي، وهو نقیب في الشرطة المجتمعیة حول العنف الاسري، إذ يقول “بالتأكید لیس هناك حریة مطلقة أمام المرأة لتقدیم شكوى، إلا أن الشكاوى تردنا عبر الصفحة الخاصة في الشرطة المجتمعیة او الخط الساخن، ویتم تدوین المعلومات بصورة كاملة عن حالة التعنیف ونلجأ الى مكان سكن المرأة المعنفة، إن كانت المسألة تتطلب تدخل ودي یحل ودیا ونقارب وجهات النظر بین الطرفین، أما المرأة المعنفة فیتم مراقبتها في حال ورود أي خبر حول تكرار الحالة”.

سماح تزوجت رغما عنها، ومن دون رغبتها، وجدت نفسها منفیة في بیت قریب من منزل أسرتها، إلا أن أسرتها كانت بعیدة عن ما كانت تكابده، في ذات الوقت، فيما يعود سبب ذلك كله الى أنها أصبحت امرأة بالغة، وأن عليها الزواج وتكوين أسرة، بحسب اعتقاد عائلتها، بدلا من تحولها الى عبئ أو عرضة للطعن بـ”شرفها”، وهو الاعتقاد الشائع في الأوساط الشعبية، واعتبر سببا بارتفاع نسب زواج القاصرات في العراق خلال السنوات الأخیرة، بحسب إحصائيات وزارة التخطیط العراقیة. 

Image

من جهته، يقول المحامي احمد المدني، إن “سبب ارتفاع نسبة زواج القاصرات یرجع الى أسباب، منها العرف الشائع لدى أهل الریف والقرى من أن البنت التي تتخطى الـ10 أعوام فانها تبلغ مبلغ النساء وأن عليها أن تتزوج، فالزواج يسترها اجتماعيا خصوصا وأن تكالیف الزواج لديهم بسیطة وغیر مكلفة”.

ويضيف المدني في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الزواج يخلص الأب والاهل من عبء البنت ومصاریفها، خصوصا عندما یكون الأب لدیه أبناء كثر”.

وقد بلغت حالات القتل والتعنيف بناء على احصائية وزارة الداخلية خمسة آلاف حالة عنف أسري في النصف الأول من العام 2020، بحسب احصائية وزارة الداخلية، حيث توزعت شكاوى العنف الأسري بين 3637 شكوى بشأن اعتداء الزوج على زوجته، و453 شكوى اعتداء الزوجة على زوجها و183 شكوى تخص اعتداء الاباء على الابناء يقابلها 617 شكوى بشأن اعتداء الابناء على الاباء.

وفي كانون الاول ديسمبر الماضي، قامت امرأة شابة بتقديم شكوى ضد والدها وإخوته، لمحاولتهم قتلها، تحت مسمى “جريمة الشرف”، وذلك بعد أن تم إنقاذ الفتاة من قبل دورية أمنية خلال تعرضها لإطلاقات نارية أصابت يدها اليسرى، وذلك في منطقة السدة شرقي العاصمة ايضا، وهذه تعد من الحالات القليلة التي تقدم فيها امرأة شكوى ضد ذويها جراء التعنيف او محاولتهم قتلها بناء على الاتهامات التي يوجهونها لها. 
 
أما رجل الدین الشيخ محمد حازم، فيدعم خلال حديثه لـ”العالم الجديد” لجوء المرأة الى المحكمة، قائلا “قيام المرأة باللجوء إلى المحكمة، هو آخر حل لتتخلص من التعنیف الذي مورس ضدها”.

ويوضح الشيخ حازم “لابد أن تلجأ المرأة الى مراحل تبدأ أول الأمر بمحاولة رد مصدر التعنیف الى وعیه والوصول الى حلول سليمة، عبر الحوار والاستعانة بالشخصيات الحكيمة والمؤثرة من أهلها وأقاربها أو أقارب زوجها، وفي حالة عدم التخلص من تلك الأزمة وتكرارها، فیمكنها اللجوء الى المحاكم والجهات المختصة للدفاع عن نفسها وحقوقها”. 

كنت ألجأ الى عائلتي بین الحین والآخر، تستطرد سماح، فتفتعل والدتي أعذارا من أجل إعادتي، كي لا أصبح مطلقة وأكون مصدر عار بالنسبة لهم، وأتحول الى عالة علیهم”، هكذا تلخص سماح دور عائلتها في ما كانت تعانيه خلال زواجها.

“واخیرا جاء الیوم الذي تخلصت فيه من كابوس الزواج بعد سنة كاملة من العناء فأصبحت مطلقة، المسمى الذي یخیف عائلتي والمجتمع، فبعد آخر جدال، حُسم الأمر ورفضت ان اعود الیه وتنازلت عن كافة حقوقي، لأنه رفض أن یطلقني، صحیح انّي عانیت ولازالت الكوابیس تلاحقني، إلا انني أشعر بالحریة الجزئیة”، هكذا تختتم سماح قصتها. 

تؤكد الإحصاءات ان ثلاث نساء یتطلقن مقابل 10 عقود قران تسجل في المحاكم العراقیة، ویبلغ عدد النساء المطلقات نحو 65 ألفا، أي حوالى 26 بالمائة من الزیجات المسجلة، وفق إحصاء مجلس القضاء الأعلى لعام 2019، الذي شهد تسجیل نحو 250 ألف عقد زواج.

من جانبها، ترى الباحثة الاجتماعیة ملاك جاسم في حديث لـ”العالم الجديد” أن “الحل لا ینتهي عند عتبات المحاكم بالأخص في حالة وجود تعنیف في شتى أنواعه، لأن العلاج يتوقف على معرفة المشكلة”، لافتة بالقول إن “جمیع الفتیات القاصرات المتزوجات یعانین من أمراض نفسیة وأحیانا عقلیة، لكن كیف لنا ان نساعد”.

وتتابع جاسم “لابد أن يكون هناك قانون یحمي هذه الفئة المهمشة، ویمنع زواج القاصرات، وأن تكون هناك دورات تدار من قبل باحثین اجتماعیین، لكي تؤهل الزوجين قبل الاقدام على الزواج، ومن دون تخطي هذه الدورة فلا ينبغي أن تتم الزيجة، كما لابد أن تتوفر في كل محلة، مراكز للعلاج النفسي مختصة بالشؤون الأسریة، وتلزم كل فرد بمراجعتها، فضلا عن افتتاح دور للإیواء بالتعاون مع الشرطة المجتمعیة، لمساعدة النساء اللاتي یتعرضن للعنف وحمایتهن من أزواجهن”.

یذكر أن نسب زواج الفتیات قبل سن البلوغ في العراق، تشهد تصاعدًا مستمرًا، ففي الإحصائيات بین العامین 1997 و2004 كانت نسبة زواج الأطفال تقدر بنحو 15 بالمائة، إلا أنها ارتفعت إلى 23 بالمائة عام 2007، بحسب المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة العراقیة الذي أجرته وزارة التخطیط.

إقرأ أيضا