يختارون بإرادتهم وهم يلحنون

تستوقفني محاولات بعض العراقيين تقليد مناخ الربيع العربي (وتصحيحه المصري) في بلد كان هو الذي خلق هذا المناخ عام 2003. وسواء رضي العراقيون بنتائج ذلك الزلزال أم لم يرضوا، فإن اهتزازاته تستمر وتفكك مكونات الصمغ القومي يتواصل.

إذا كان العراقيون قد رضوا بحكم البعث لمدة 40 عاما تقريبا، فهذا لا يدل على خضوعهم واستسلامهم للقدر البعثي العفلقي العارفي البكري الصدامي قدر ما يدل على حاجتهم لمثل هذا النوع من السلطة المطلقة المصادرة لخلوة الإنسان حتى مع أهل بيته، يؤيد ذلك شوق لماضي البعث يتردد علنا اليوم على ألسنة أغلب أبناء الرافدين.

بنفس القدر، حين حل الزلزال عام 2003، وأُتيح للعراقيين أن يختاروا بإرادتهم الحرة (ودون تدخل أمريكي كما يهوى القوميون أن يتقولوا)، الأحزاب الدينية الشيعية، وبما أنهم الأكثرية، فقد انقادت الأقلية السنية لهذا الخيار، وانتخبت في المقابل الموضوعي أحزابها الإسلامية السنية (إخوان العراق ومن حولهم). الدليل على ذلك اليوم مدى انتشار الحجاب في المجتمع ومستوى إحياء الشعائر الدينية المليوني.

وإذا كان نوري المالكي قد استطاع أن يفوز بثمانية ملايين صوت في دورتين انتخابيتين، فإن هذا قد جرى بإرادة عراقية خالصة ودون أي تزوير كما يريد البعض أن يُشيع.

وإذا كانت هذه الإرادة الحرة لا تروق لبضعة مثقفين يرومون الخلاص من سلطة الأحزاب الدينية، ويرنون إلى النموذج الغربي بشوق، فإن هذه البضعة ليست مؤهلة بما يكفي لتحرّك الشارع العراقي كما فعلت النخبة المصرية ونجحت في حشد 33 مليون إنسان، جعلوا كل إخواني وسلفي يسارع إلى حلاقة لحيته متخفيا كما فعل بعثيو العراق بعد الزلزال الأمريكي عام 2003 وحلقوا شواربهم وأطلقوا لحاهم لمسايرة المد الديني.

 

\”إستفاد ودعني انا استفاد\”

مصداق كل هذا هو تظاهرات الأسبوع المنصرم الكوميدية، بنسختها الهزيلة المقلدة للنسخة المصرية في ساحة التحرير، ونسختها الهزيلة المقلدة ليوم القدس الإيراني والتي أحبطت مشاعر أغلب من انتظروا تغير مناخ العراق السياسي والمزاج الشعبوي عبر مناخ التواصل الاجتماعي.

وكأن فيسبوك وتويتر وما حولهما دخلوا بيوت العراقيين وأثخنوهم علما وتواصلا وثقافة، وقد تناسى الجميع أنّ عدد مستخدمي الانترنيت في العراق لا يتجاوز 10 % من السكان، حسب الإحصاءات الدولية المتوالية منذ دخلت ثورة الاتصالات إلى العراق المحروم عام 2003.

إرادة العراقيين تحققت في النموذج السائد، وهم راضون بما يصلهم، وراضون حتى بالنزيف المستمر، وراضون بأن يستمر كل شيء لأن المقبل في رأيهم لن يكون قط أفضل من الحاضر، ولأنّ معظم من ينتقدون المالكي ويكشفون فساد النخبة السياسية الذي لا يخفى حتى عن عيون معدمي الصومال، هم ليسوا أكثر من أشخاص غاضبين لأنّ التغيير لم يُتح لهم أن \”يستفادوا\” – بهذا التسمية العراقية المُغرقة باللحن اللغوي – (وقد سألني زميل سوري ذات مرة متعجبا: لماذا يُلحن العراقيون مع إنهم أهل مدارس النحو العربي؟!).

بوجود اللحن العراقي، يقهر الأصبع البنفسجي لايك فيسبوك، ويفوز مبدأ \”إستفاد ودعني انا استفاد\”. 

إقرأ أيضا