هذا مشوق. لقد ثبت هذا الأسبوع مرة اخرى بانه لا يوجد ما يشبه الطريقة التي تنجح في إيران، لا في المظاهرات ولا في قمعها، فقد جاء المحافظون المتطرفون ليخرجوا التجار الكبار من البازار العظيم، اولئك الذين قادوا مظاهرات ضد ارتفاع الأسعار وضد انهيار الريال المحلي. فأغلق التجار الدكاكين، ومن تردد، اغلقوه له بالقوة. فتجمعوا في مدخل السوق، وكذا أمام مبنى البرلمان، وعرضوا قائمة مطالب. على رأسها أن يعمل البرلمان على اعادة قيمة العملة المحلية ليعود الناس ليتمكنوا من الشراء.
اما المحافظون، من جهتهم فجاءوا إلى السوق مع خطة عمل للتجار: ان يسقطوا الرئيس “المعتدل” روحاني، الذي يسعى إلى تسوية جديدة مع الرئيس ترامب، بعد أن سبق أن توصل إلى تسوية مع أوباما وبات بعضهم يقترحون ان يضعوا بمكانه الجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس للحرس الثوري، رجلهم في سورية وفي العراق. ما تمكن سليماني من أن ينساه، حسب المتحدثين باسم المحافظين، لم يتمكن روحاني بعد من أن يتعلمه. وهم يقصدون بالطبع قبضته الحديدية. محرر صحيفة “كيهان”، للمحافظين، اقترح هذا الأسبوع أن يغرس الحكم بين المتظاهرين عملاء بملابس مدنية “كي يتمكنوا من تنفيذ اعتقالات حقيقية”.
خامنئي بالذات، الحاكم الأعلى ومن يقرر حقا، ليس معنيا باسقاط روحاني. خير له ان يبقى بحيث تكون كل الخيارات مفتوحة. إذا اراد، فبوسعه التخلص منه في وقت لاحق من ذريعة ما. اما روحاني نفسه، فقد تحدث أول من أمس عن قصد بلسان المحافظين حين فصل، في مؤتمر القضاة، الخيارات التي لدى إيران. حسب روحاني، يريد الأميركيون حربا اقتصادية، وسيحصلون عليها. إيران ستتوقف عن شراء 1939 منتجا من الغرب، بعضها من انتاج أميركي، وستزيد انتاجها على المستوى المحلي: منتجات للمنزل، للمطبخ، اجهزة قهوة، بشاكير واقمشة. وأعلن روحاني “كلنا متجددون، ليس لنا أي نية للركوع”.
هذه فترة اختبار لإيران. فالنظام يريد ان يبقى متدخلا في اليمن وفي سورية. وهذه قبل كل شيء هي مسألة مكانة: في سورية هم في منافسة مع الروس، وفي اليمن، مع السعوديين. إذا نجح الإيرانيون في أن يتدبروا أنفسهم الآن دون المنتجات من الغرب، إذا ما حيدوا احباط الشباب وأوجدوا – ليس واضحا كيف – جوابا على البطالة المستشرية، فلعلهم يجتازون الازمة مع الولايات المتحدة. تعلق إيران آمالها في الصفقات مع الهند، الصين، وعدد صغير من الدول في العالم العربي.
حسب مسؤولين كبار في الحرس الثوري، ستتمكن إيران هكذا من الصمود حتى شهر آب (اغسطس). صحيح أن الرئيس المغرد انسحب من الاتفاق النووي، ولكنه بالتوازي أبقى فتحة ضيقة في الباب. فالادارة تحاول اقناع الإيرانيين التوجه إلى تسوية جديدة ومحسنة مع “العالم المتنور”: تسوية ستطلب من إيران التوقف عن التدخل في اليمن (عبر المقاتلين الحوثيين)، وفي سورية (من خلال “المستشارين” الإيرانيين، الشيعة من افغانستان وحزب الله). والآن يجلب لهم ترامب حاكم كوريا الشمالية كمثال على السلوك القويم. وهو سيتحدث بالمقابل عن كل خروقاتهم داخل منشآت النووي كمثال على السلوك السيئ. اما الإيرانيون فلا يحبون المثالين.
إذا لم تتدبر إيران نفسها وحدها، وهذا ما يعتقدون الآن في محيط ترامب، فإنها ستضطر إلى الزحف. في هذا الوضع ستأتي على ما يبدو إلى جولة محادثات، ليس تلك التي في آب، بل بعدها، في تشرين الثاني، وان كان الإيرانيون حتى في حينه سيفعلون كل شيء كي لا يتنازلوا على البرنامج النووي. فقد أعلن الحاكم خامينئي منذ الان بان إيران ستتوجه إلى انتاج اغنى من اليورانيوم “لانه لا مفر”. والسؤال المشوق، إذا حصل هذا، هو ما الذي ستفعله إيران، حين يكون لها مرة اخرى يورانيوم مخصب: هل ستحاول بيعه، أو كبديل هل ستعود إلى برنامج عسكري كامل؟
يمكن بالتأكيد فهم تجار البازار. ففي غضون اقل من أسبوع انهارت قيمة الريال: من 37 ألف ريال للدولار إلى 42 ألف ريال للدولار في السعر الرسمي. وفي السوق السوداء، التي هي عمليا السبيل الوحيد حقا لشراء الدولار في إيران – فإن سعر العملة الأميركية ارتفع من 75 ألف ريال إلى 95 ألف ريال. ويقول سادر برجك، أحد تجار البازار العظيم: “الناس يرون كيف تختفي توفيراتهم دفعة واحدة. ماذا يمكنك ان تقول لهم؟”. في مدخل السوق تعلق صورة كبرى لخامنئي، وتحتها بالذات احتشد المتظاهرون.
استمرت المظاهرات ثلاثة أيام، وفقط في اليوم الثالث مساء بدأت الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع وتنفذ اعتقالات حقيقية. واغلقت ثلاث محطات للمترو في محيط السوق، لفرض الصعوبات على الحركة إلى المكان. ولكنهم لم يعتقلوا التجار الهامين، الذين يتعامل النظام معهم بحذر زائد. فالتجار، بشكل تقليدي، كانوا دوما يؤيدون المحافظين، وكانوا من القوى التي رفعت خامنئي إلى الحكم. اما الآن، فقد اتسع الشرخ. ومنذ يوم الاربعاء وان كانت هدأت الخواطر وعادت الدكاكين في البازار ففتحت من جديد، ولكن تكاد لا تكون حركة. فمن لديه مال زائد يذهب إلى السوق المجاور ويشتري الذهب. وحتى الحكم ليس هادئا، والدليل هو أن الشرطة لم تغادر السوق العظيم.
عماد ذو الفقار، خريج جامعة، يجلس في البيت. مثل كثيرين وكثيرات في عمره هو عاطل عن العمل، ويرى ما تبثه القنوات في الخارج. الحياة الطيبة. في البيت، في طهران، ربوه على ان ينظر بحذر وان يشك في كل شيء. “اشاهد التلفزيون، ولا أدري ما هو حقا خير لي. لا يمكنني أن اصل إلى أميركا أو أوروبا، ولكن ليس في إيران اليوم شيء تعرضه علي”. هذا الأسبوع ناشد روحاني المواطنين عدم السفر إلى الخارج على الاطلاق، ولا حتى إلى الهند او الصين. إذا كان أحد ما ملزم باجازة فليسافر حسب روحاني إلى أحد المنتجعات داخل إيران.
ويجدر بالذكر انه رغم سقوط الريال، لدى إيران احتياطات كبرى من المال: 112 مليار دولار نقدا على الاقل، ومبلغ مشابه آخر من المنتجات. هذا المبلغ يمكن أن يزداد (قليلا) في التجارة مع الصين وروسيا، وبالمقابل ان يقل (اكثر بكثير) اذا لم تكن تجارة مع الولايات المتحدة. اضيفوا ضائقة البطالة وغضب الشباب، وستحصلون على صورة معقدة. “اخرجوا من سورية، دعكم من لبنان، وكفوا عن الخيالات عن غزة”، هتف هذا الاسبوع المتظاهرون في طهران، “فكروا فينا فقط”. علي فرزات، الذي يعد اليافطات للمظاهرات، كتب لعمرو صديقه في الخارج “يبدو أني اخاطر بحياتي، ولكن الحكم لا يأبه بي على الاطلاق”.
آية الله صادق لاريجاني، رئيس رابطة القضاة وعد بمحاكمات عاجلة وعقوبات متشددة بكل من يمس بالاقتصاد أو بالمصالح القومية لإيران. اما ريهاب مشمعه، الطالب الذي وجد عملا قبل شهرين فقد قال: “نحن في أزمة اقتصادية عميقة بسبب العزلة، الفساد والادارة الفاشلة. من يمكن ان يسمح لنفسه، فإنه يشتري العقارات، السيارات أو الذهب. ومن لا يستطيع، وهؤلاء هم الاغلبية، فينتظر ليرى ما سيحصل”.
إيرما، واسمها الخاص وحده هو ما اعرفه – كانت بين اولئك الذين وافقوا على مراسلتي هذا الاسبوع. “انا لست ضد النظام، ولكني اريد حياة افضل”، شرحت. “إذا ما اعطيتمونا جودة حياة، سنكون سعداء إذ ليس هناك مثل إيران. هذه دولة رائعة مع قصة غير بسيطة. ولكن اذا تركتمونا نعاني في الوقت الذي يتمتع به الاخرون بحياتهم، فسنغضب. لست ادري ما يمكن لنا أن نفعله، ولكنني متأكدة أننا سنفعل”.