صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

يوميات سقوط صلاح الدين (5): الوصول إلى سامراء وانسحاب شرطة (المعتصم) بعد انقضاض المسلحين وتفجيرهم بناية بلديتها

فجر الجمعة الموافق 20 حزيران يونيو الماضي، ركبت في إحدى سيارات الحمل التي تقلّ فاكهة وخضروات لغرض بيعها في سوق سامراء، حيث كان الطريق نحو سيطرة سامراء خاليا، فلا تواجد للمسلحين، ولا للشرطة، ولا لأي تشكيل آخر، وحين مررنا بمحطة \”الجالسية\” الحرارية لانتاج الطاقة الكهربائية، قال لي السائق بأن المحطة شبه متوقفة عن العمل بسبب انقطاع الوقود عنها، وأخبرني أن في داخلها عددا كبيرا من العمال الأجانب \”غالبيتهم من الصين\”، وهم ينتظرون تدخل الحكومة لانقاذهم.

 

اقتربنا من نقطة التفتيش \”السيطرة\” في تمام الساعة الخامسة والنصف صباحا، حيث كان صف السيارات يمتد طويلا، وتقف فيه عشرات السيارات، حينها ترجلت من السيارة، متوجها بخطى بطيئة نحو المقدمة، لكني كنت أتأنى في مشيتي لأستمع قليلا لأحاديث كل مجموعة من الناس أمر بها، حيث كان بعضهم (مثلي تماما) مجرد عابري سبيل، ولكنهم انتحلوا صفات مزارعين كي يدخلوا المدينة، وكان من بينهم أحد طلبتي الذي التقيته في هذا الطابور المزدحم بالمارة والسيارات، وهو يسعى للدخول أيضا بعد أن قضى أسبوعا كاملا خارج المدينة.

 

المزارعون الذين دسسنا أنفسنا بينهم، وتلبسنا دورهم، باحثين عن حيلة تؤهلنا لدخول مدينة سامراء المغلقة، بدوا غير راضين عن الأسعار التي تباع بها محاصيلهم، حيث تكلم بعضهم بحسرة عن \”القمح\” الذي باعوه للدولة، من دون أن يتسلموا فلساً واحداً، قاطعين بأن أموالهم تلك لن تعود اليهم ثانيةً.

 

في تمام الساعة السابعة صباحا بدأت السيارات تتجه نحو السيطرة التي ينتهي عندها الطابور، وكان هناك ضابط برتبة \”ملازم أول\”، يقوم بتنظيم السيارات، فتجمهرت حوله عدد من النسوة اللاتي يرغبن دخول المدينة، فيما كان يحاول تفريق التجمعات بصورة ودية، حينها دنوت منه وأبرزت له هويتي، وقدمت نفسي بصفتي أستاذا جامعيا، فطلب مني أن أنتظر قليلا، لكنني لم أصبر غير دقيقة واحدة عدت بعدها وأخبرته أن بإمكانه أن يفتشني، فأنا لا أحمل غير محفظتي، وأردفت \”اسمح لي بالدخول مع أي سيارة خضراوات رجاءً\”.

 

حينها أومأ لي برأسه، فركضت فرحا، وصعدت مع سيارة خضراوات كانت تسير مجتازة نقطة التفتيش \”السيطرة\”، في الأثناء حانة مني التفاتة الى أفراد السيطرة الجدد، فوجدتهم قد أبدلوا، إذ أن أغلب أفرادها كانوا من ذوي الأعمار صغيرة، فخطر لي أن قيادة عمليات سامراء استعانت بوجوه شابة بدلا من الكبيرة، أو أنها ربما تكون قد استعانت بمتطوعين جدد.

 

وأخيرا.. دخلت مدينة سامراء، فكانت المدينة خاوية لا روح فيها، حتى أن معظم أهل المدينة قد هجروها، فوصلت الى داري بعد أن اعتقدت مرارا بأنني لن أصل.

 

في عصر ذلك اليوم، اتصلت بقريبي الذي كنت عنده في ناحية المعتصم لأشكره على حسن الضيافة، فأبلغني بأن الشرطة الجديدة التي تم تشكيلها انسحبت أيضاً وعاد المسلحون يسيطرون على الناحية! 

 

لقد كان هذا الفعل متوقعا، فأفراد الشرطة الجديدة هم شباب صغار في السن، ولا يمتلكون أدنى تجربة في إدارة شؤون الناحية أو المحافظة عليها، فقد كنا نعلم بأنهم سيتركون مواقعهم بمجرد سماع إطلاقات نارية، وأخبرني أيضا أن المسلحين قاموا بتفجير بناية البلدية التي استغلتها الشرطة الجديدة بعد أن قاموا سابقا بتفجير مركز شرطة المعتصم. 

 

لكن الأهالي كانوا يتوقعون أيضاً أن يكون دخول المسلحين الى الناحية مرة أخرى مؤقتا، لأن أعدادهم وسياراتهم ومعداتهم قليلة جداً لا تكفي لمسك الأرض والبقاء في الناحية.

إقرأ أيضا