يمر اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في ظل أزمة كارثية تعيشها فلسطين لاسيما قطاع غزة المحاصر الذي يتعرض لأقسى هجمة إسرائيلية منذ أكثر من شهر تسببت بمجازر كبيرة راح ضحيتها آلاف الأبرياء، قبل أن توقفها الهدنة الأخيرة.
وفي هذه المناسبة يقرأ محللون المواقف الدولية والإقليمية من الأزمة، وفيما أكدوا أن التضامن الدولي رضخ للنفوذ الغربي ليعطل الالتزامات القانونية والأخلاقية تجاه فلسطين، أفادوا بأن الموقف العربي يعاني من “حالة انفصام” بين الشعارات والممارسات، ساهمت في إضعاف الموقف وانتقلت هذه الحالة إلى الموقف الدولي والعالمي.
ويقول المحلل السياسي الأردني حازم عياد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الإجماع داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة على مدى السنوات السبعين الماضية أظهر قدرا من التضامن مع الحقوق الفلسطينية، وجرى استصدار قرارات تظهر قدرا من التعاطف والاعتراف بالقضية، وكان اختيار التاسع والعشرين من تشرين الأول نوفمبر للتضامن مع الشارع الفلسطيني إحدى صور هذا التفاعل الإيجابي”.
ويستدرك عياد، أن “التوازنات داخل مجلس الأمن والدور الأمريكي والأوروبي كان من أبرز العوامل المعطلة لتنفيذ القرارات الأممية الصادرة عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهذه القوى الغربية أسهمت في تعطيل القرارات ولم تتعامل بجدية معها واستخدمت نفوذها، وهو ما يظهر جليا في العدوان الأخير على قطاع غزة، فلم تُراع أي من القوانين الدولية والاتفاقات الأممية المتعلقة بالاحتلال الأراضي وغيرها، وذلك بتأثير نفوذ الولايات المتحدة والقوى الأوروبية”.
وفيما يتعلق بالتضامن العربي، يتابع المحلل السياسي الأردني، أن “الحسابات العربية لم تختلف كثيرا عن الحسابات الدولية، إذ أن كثيرا من الدول قدمت مصالحها سواء في علاقاتها مع أوروبا وأمريكا أو على صعيد الاستقواء بالغرب في الصراعات العربية البينية، وهذه الحال أضعفت الموقف العربي وأفقدت الولايات المتحدة الجدية في التعامل مع العرب”، لافتا إلى أن “العرب ذهبوا بعيدا في التماهي مع المشاريع الغربية مثل مشاريع السلام الأمريكي والاتفاقات الإبراهيمية”.
ويكمل عياد، أن “الحد وصل ببعض الدول العربية إلى القفز على الحقوق الفلسطينية، وهذا الموقف العربي الضعيف انتقل إلى المجموعة الدولية المتضامنة مع فلسطين، إذ نظرت هذه الدول إلى الموقف العربي باستخفاف وأصبحت هي أيضا تتهرب من التزاماتها القانونية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية، حتى أن عددا كبيرا من الدول اتجه نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي والاعتراف به وهذا ما شهدناه مع دول إفريقية وآسيوية”.
ويخلص إلى أن “العرب ما زال أداؤهم ضعيفا، وهم منقسمون على أنفسهم، كما يمكن القول إن هناك حالة انفصام بين الأقوال والشعارات من جهة، والممارسات على أرض الواقع من جهة أخرى، وحالة الانفصام هذه تركت أثرا على الموقف الدولي والعالمي الذي تحول بدوره إلى شعارات أخرى لم يسع أحد إلى تنفيذها على أرض الواقع”.
غير أنه يؤكد أن “الحرب الأخيرة وعملية طوفان الأقصى أحيت القضية الفلسطينية مجددا وبعثت التعاطف الشعبي الدولي من جديد وتصدرت مشهد الأمم المتحدة”.
ويصادف يوم غد (الأربعاء)، اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو مناسبة تبنتها الأمم المتحدة، وتدور فعالياتها يوم 29 تشرين الأول نوفمبر، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك كما في مكاتبها في جنيف وفيينا بناء على قرار الجمعية العامة في كانون الثاني ديسمبر 1977، وهو احتفال رسمي في ذكرى صدور قرار الجمعية العامة في 29 نوفمبر 1974، الذي ينص على تقسيم فلسطين.
من جانبه، يجد المحلل السياسي التركي جواد غوك، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الدور الأممي تجاه قضية فلسطين لم يكن بالمستوى المطلوب، نعم هناك بعض الدول تغيرت مواقفها بشكل إيجابي واعترفت بأنها كانت مقصرة، حتى أن بعضها أقدمت على طرد السفير الإسرائيلي، وهذا موقف إيجابي”.
لكن غوك، يشير إلى أن “الدول الغربية والاتحاد الأوروبي مازالوا يصرون على موقف سلبي تجاه القضية الفلسطينية، أما بالنسبة إلى الدول الإقليمية فهي لم تكن داعمة لفلسطين بالقدر الذي دعمت به الدول الغربية إسرائيل، إذ كان الموقف العربي والإقليمي في موضع حياد مع القضية”.
وعلى المستوى الشعبي، يؤكد أن “الشعوب في ظل الأزمة الأخيرة تفاعلت بشكل كبير، لكن الحكومات بقيت كما كانت سابقا في موقف ضعيف سواء عربيا أو إسلاميا، ولم تلجأ إلى خطوات ملموسة كفرض عقوبات على إسرائيل”.
ويؤشر أن “هناك تحركا عراقيا ويمنيا كان إيجابيا، لكن الدول الإقليمية الأخرى بدت في موقف ضعيف، لكن مصر والأردن وتركيا لم يكن تحركهم كافيا حتى أن هناك اتهامات موجهة إلى الحكومة التركية بالنسبة إلى تصدير البضائع إلى إسرائيل الذي لم تتوقف، كما لم تقم الحكومة التركية بطرد سفير الكيان الصهيوني”.
وتشن إسرائيل هجوما بريا وبحريا وجويا على قطاع غزة أوقع آلاف الأبرياء، منذ هجوم حركة حماس المباغت على إسرائيل في السابع من شهر أكتوبر تشرين الأول.
وكانت صور استهداف مستشفى الأهلي المعمداني، في 17 تشرين الأول أكتوبر، أبرز ما أثار التعاطف العالمي، بعدما أسفر التفجير عن حصيلة جسيمة من الضحايا والمصابين وأثار حالة من الغضب في العالم العربي، إذ لقي 471 شخصا مصرعهم، بحسب وزارة الصحة في غزة التي قالت، أمس الأحد، إن عدد القتلى في القطاع ارتفع إلى 8005 أشخاص، بينهم 3342 طفلاً، منذ السابع من تشرين الأول أكتوبر الماضي.
من جهته، يرى المحلل السياسي ماهر جودة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المواقف اختلفت مع اختلاف الزمن وتغيرت، إذ كان العرب والعالم الإسلامي الذي يصل إلى 57 دولة تتحدث عن فلسطين كقضية مركزية وحيدة، لكن منذ دخول صدام إلى الكويت بداية تسعينيات القرن الماضي تغيرت المعادلة”.
ويضيف جودة، أن “العراق كان يتحدث عن قضية محورية وهي القومية العربية، بينما فاجأ الجميع باحتلال دولة عربية”، لافتا إلى أن “تعاطف منظمة تحرير فلسطين مع العراق آنذاك انعكس سلبا على القضية الفلسطينية”.
ويتابع أن “السعودية تقود محورا مع المغرب العربي في الأعوام الأخيرة للتطبيع مع إسرائيل، وأهل غزة لم يكن يملكون خيارات غير الدخول في المعركة لإعادة إحياء القضية”، لافتا إلى أن “التضامن العربي مع فلسطين غير موجود في ظل الأزمة الراهنة، وعلى الواقع كان التضامن مع إسرائيل”.
وعقدت، في العاصمة المصرية، قمة القاهرة للسلام، في 22 تشرين الأول أكتوبر الماضي بمشاركة 31 دولة بينها دول عربية و3 منظمات دولية، وتنوعت المشاركة بين رئيس الدولة أو وزراء الخارجية ورؤساء الحكومات، وقد شارك العراق فيها عبر رئيس الحكومة محمد شياع السوداني.
ووصف محللون في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، تلك القمة بأنها اجتماع آخر بلا نتائج حقيقية، بل عقد لغرض التعبير عن الاستنكار والإدانة فقط، رغم أن الحضور فيه على مستوى قادة ورؤساء دول، لافتين إلى أن ما عزز عدم جدواه هو استمرار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في توقيت عقد القمة ذاته.
وكان السوداني، أكد في كلمته بالقمة، أن العراق لنْ يتأخر عن تقديم أية مساعدة ممكنة لقطاع غزة، داعيا إلى إنشاء صندوق لدعم وإعمار القطاع، وفيما أشار إلى أن الشعب الفلسطيني يتعرض إلى عملية إبادة جماعية باستهدافِ المدنيين في المجمعاتِ السكنية والكنائس والمستشفيات، لفت إلى أن مجزرة مستشفى المعمداني أظهرت الوجه الحقيقي للاحتلال الصهيوني، ونواياه التي تجاوزت كلَّ الخطوط الحمراء.