تؤكد منظمات دولية أن ملف حقوق الإنسان في العراق بات مقلقاً، لجهة الهجمات شبه اليومية المنظمة التي يشنها تنظيم \”القاعدة\” أو الانتهاكات التي ترتكبها السلطات الأمنية في البلاد عبر الاعتقالات التعسفية ومنع التظاهر، في ظل خلو المناصب الأمنية الرئيسة من وزراء فعليين والأداء الشكلي لوزارة حقوق الإنسان، وتجد \”هيومان رايتس ووتش\”، أن \”مسؤولي القوات الأمنية يخيفون الناس لدفعهم إلى التزام الصمت\”.
وشهدت 10 محافظات عراقية أمس السبت، تظاهرات حاشدة ضد تقاعد النواب والدرجات الخاصة والوزراء.
وفي غضون ساعات صباح السبت، منعت قوات مشتركة من الجيش والشرطة الاتحادية وقوات التدخل السريع \”سوات\” والتي توصف غالبا بـ\”سيئة الصيت\”، إضافة الى عناصر من جهازي الاستخبارات والمخابرات، تظاهرات بمحتجين بلغوا الآلاف في بغداد والناصرية.
وحشدت السلطات أعداداً كبيرةً من العناصر الأمنية منذ ليل أمس الأول (الجمعة)، وأغلقت مداخل ساحتي التحرير والفردوس، اللتين أعلنهما منظمو الاحتجاج لإلغاء تقاعد أعضاء المجلس النيابي والوزراء والدرجات الخاصة، كمكانين للتظاهر.
وفي جولة ليلة سبقت يوم التظاهر (أمس) رصدت \”العالم الجديد\” حركة عسكرية غير مسبوقة في محيط المنطقة التي تمتد لأكثر من ميلين، بدءاً من ساحة الفردوس المهملة التي ما زالت تحتفظ بقاعدة تمثال صدام، وصولا إلى ساحة \”الخلاني\” عند مبنى أمانة بغداد، مروراً بساحة التحرير، النقطة التي يجاهد المتظاهرون بالوصول اليها منذ شباط 2011 دون جدوى في كل مشروع تظاهر جديد.
المنطقة تحولت الى ثكنة عسكرية كبيرة، طوقت من جميع الجهات، فيما كانت آليات الشرطة الاتحادية والجيش تختبئ في الشوارع الفرعية المنهكة، وتحت نصب جواد سليم تجمع عدد كبير من عناصر الأمن برفقة ضباط الرتب الكبيرة، كانت الشوارع مقفرة عند الساعة 11 ليلاً، بعد ورود أنباء عن إغلاق جسور رئيسة تربط ضفة الكرخ بالرصافة، وفي خطوة للحد من التظاهر منعت قيادة عمليات بغداد المركبات غير المسجلة أصوليا \”المنيفست\” من التجوال.
اعتقال واعتداء على المتظاهرين
وتعرض للضرب عدد من المتظاهرين والاعلاميين، في أثناء الاحتجاج بعد منعهم من الوصول الى ساحة التحرير، او الاحتشاد في ساحة أخرى بديلة، وعلى الرغم من التعتيم الاعلامي الذي مارسته قناة العراقية شبه الرسمية والممولة من ميزانية الدولة بوصفها هيئة مستقلة، فان \”الاعلام البديل\” أو ما يعرف بـ\”صحافة المواطن\” كسر العزلة الإعلامية، ونشر نشطاء مدنيون صورا وفيديوهات على موقع التواصل الاجتماعي \”فيسبوك\” كشفت العنف \”غير المبرر\” الذي استخدمته القوات الأمنية ضد المتظاهرين.
ويعلق المتظاهر علي الجاف لـ\”العالم الجديد\”، وهو يكشف عن كدمات وآثار هراوات على ظهره، \”لا تهم هذه الضربات، انها ضريبة الحرية، لكن قلقي الأكبر على 20 متظاهرا اعتقلوا ولا نعرف عنهم شيئا\”.
وتواترت أنباء عن اعتقال أكثر من 10 متظاهرين، بينهم المتظاهرة أسيل الجواري، التي اعتقلت في تظاهرات \”العراق ينتفض\” قبل نحو اسابيع، فيما لم يصدر أي تعليق من السلطات الأمنية بشأنهم حتى لحظة اعداد التقرير.
واستنكر نشطاء تعرض الناشطة رجاء الربيعي الى الضرب على أيدي عناصر أمنيين بالقرب من اتحاد الادباء والكتاب في العراق، وعلقت على صفحتها في \”فيسبوك\”.. \”شكرا للجيش الذي ضربني، وشكرا لانه حماية للحرامية، وشكرا لأنه علمني الركض في أزقة بغداد، وللاسف دولتنا كلهم حرامية، هذا ما نادينا به.. كلهم حرامية\”.
وفي محاولة بدت أنها لاحتواء الموقف، بثت قناة العراقية خبرا عاجلا على شاشتها، قالت فيه ان \”رئيس الوزراء نوري المالكي يعلن عن تضامنه ودعمه لمطالب المتظاهرين\”، غير أن الجهاز الأمني كان يُنكل بالمتظاهرين في الشارع ببغداد والناصرية التي كانت الأشد قمعا من العاصمة.
القانون والعراقية: تشابه أم تضاد
ويبرر علي الشلاه، رئيس لجنة الثقافة والاعلام النيابية، في حديث لـ\”العالم الجديد\” أمس، بأن \”رئيس الوزراء المالكي أعلن تضامنه مع مطالب المحتجين اليوم (أمس) ودعمه لهم، وبالتالي نحن كائتلاف دولة قانون ندعم مطالبهم\”، مشددا على أن الائتلاف \”يقف بالضد من اي تعدٍ على متظاهر سلمي، والرئيس المالكي اعتذر قبل أيام عن الضبط الأمني والاجراءات المشددة\”.
ويلفت الى انه \”لا نريد ان يكون هناك شد بين القوى الأمنية والمواطنين، لان كليهما يعمل من اجل خدمة العراق\”، مقترحاً \”الذهاب الى لجنة تحقيق خاصة لبيان الملابسات\”.
ويبين الشلاه، وهو من الوجوه البارزة في ائتلاف المالكي، \”كنا من اول المطالبين بالغاء الرواتب التقاعدية، وقبل نحو عام قدم مجلس الوزراء مسودة قانون بهذا الصدد لمجلس النواب ونقضته المحكمة الاتحادية، وكانت هناك اعتراضات واسعة، بشأن خفض التقاعد، ومخصصات النواب والدرجات الخاصة، من بينها اعتراض السيد وزير الخارجية، ونواب في التحالف الكردستاني\”.
ويعرب عن أمله بأن \”تتم مناقشة القانون الشهر المقبل بمجلس النواب، بعد إرسال مسودة من قبل مجلس الوزراء\”.
على الطرف الآخر، انتهز الغريم التقليدي للرئيس المالكي، رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي الفرصة، ليظهر في خطاب بثته قناة الشرقية، دعا فيه الحكومة الى حماية المتظاهرين وعدم التعرض لهم، مطالبا بإطلاق سراح عدد من المعتقلين.
وذكرت ميسون الدملوجي، وهي ناطقة باسم زعيم ائتلاف العراقية، في حديث لـ\”العالم الجديد\” أمس، أن ائتلافها \”سيثير قضية قمع تظاهرة اليوم (أمس) في جلسة مجلس النواب المقبلة\”.
وبشأن استخدام القوة في منع وتفريق التظاهرات، تجد أنه \”دليل خوف ورعب على المصالح التي اكتسبها هؤلاء، هم لا يريدون للشعب أن يتظاهر بشكل سلمي وحضاري معبرين عن رغبتهم بوضع حد للفساد بالدولة، والنهوض بالواقع العراقي، وأصبح الأمر واضحا، ولا يحتاج الى تفسيرات كثيرة وعميقة\”.
وتشدد الدملوجي على أن \”حقوق الانسان بالعراق باتت تتراجع بشكل مضطرد، وهذا أحد أوجه تراجعها (في اشارة لقمع التظاهرات)، وباتت تثير القلق، فليس هناك من مبرر لهذا الأمر إطلاقا، فالمطالب كانت مشروعة، والمتظاهرون كانوا سلميين، ولم تبدر منهم أي إساءة، لذا ليس هناك أي سبب للقمع\”.
تنديد دولي
وطالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، العالمية المعنية بحقوق الانسان، أمس، الحكومة العراقية باحترام حق التظاهر السلمي للعراقيين، كونه يساعد العراق في مسيرته نحو تثبيت الديمقراطية.
واتهم، جو ستورك، القائم بأعمال المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، ببيان اطلعت عليه \”العالم الجديد\” مسوؤلي الاجهزة الأمنية بأنهم \”يخيفون الناس لدفعهم إلى التزام الصمت\”.
وشدد على ضرورة أن \”تقدم السلطات العراقية سببا مشروعا لحظر المظاهرات أو السماح لها بالمضي قدما وتضمن لمنظمي المظاهرات حق الطعن على أي حظر\”.
وتكشف المنظمة بأن \”أحد منظمي التظاهرة (…)، أكد أن مسؤولي الوزارة كانوا قد طلبوا منه تأكيد عنوان سكنه بعد تقديم الطلب، وهو ما فسره على أنه محاولة لتخويفه، فيما قال ناشط آخر أنّ مسؤولين أمنيين أبلغوه بأن نائب وزير الداخلية عدنان الأسدي اعترض شخصيا على الطلب\”.
الداخلية وحقوق الانسان: صمت وشجب
ولم يرد العميد سعد معن، المتحدث باسم وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد، على الاتصالات الهاتفية المتكررة لـ\”العالم الجديد\” لبيان الموقف الرسمي للوزارة والقيادة، وهو الامر الذي تكرر مع أزهار الشيخلي، عضو لجنة حقوق الانسان النيابية.
وفي بيان صدر متأخرا مساء امس، نوهت لجنة حقوق الانسان النيابية، بان \”التظاهرات التي خرجت للمطالبة بالغاء الرواتب التقاعدية للبرلمانيين والدرجات الخاصة، شرعية\”، منددة بـ\”استخدام القوة المفرطة من قبل القوات الامنية\”، وفق نسخة تلقتها \”العالم الجديد\”.
ونددت اللجنة بـ\”منع الحكومة لوسائل الاعلام من تغطية التظاهرات، واعتداء عناصر الامن على صحفيين\”، مستنكرة استخدام ما وصفته بـ\”القوة المفرطة في فض التظاهرات\”.
ونبهت الى أن \”التظاهرات لم تطلق شعارات تطالب باسقاط الحكومة او البرلمان اوالنظام السياسي، وبالتالي كان على الحكومة ان تحمي هذه التظاهرت لا ان تقمعها\”.
فيما تكشف مصادر على صلة بمنظمات دولية حقوقية لـ\”العالم الجديد\”، ان \”التقارير التي ستكتبها المنظمات الدولية عن سلوكيات الحكومة لن تكون في صالح البلاد\”، داعية الحكومة إلى \”افساح المجال للمجتمع بالتحرك والتظاهر والتعبير عن رأيه\”.
وتوضح المصادر، أن \”القوات الأمنية عملت على حماية مراكز الحكم في البلاد عبر تقطيع أوصال المدن وإيقاف الحياة فيها، وتخويف المتظاهرين المطالبين بإلغاء رواتب فئة سياسية يرونها لا تستحق هذه الرواتب\”.
الناصرية: التظاهرة الأعنف
المنع في بغداد، قابله قمع اشد شراسة في الناصرية، ويرسم الناشط المدني والصحفي علاء كولي في حديث لـ\”العالم الجديد\”، خارطة التحركات الامنية قبل تظاهرات أمس في المدينة الجنوبية، بقوله ان \”الامر الاكثر حيرة بدا لي بعد منتصف الليل (أمس) ربما الساعة الثانية بعد منتصف الليل، حيث بادرنا قائد الشرطة في ذي قار بعاجل ليلي لا احد يعرف به، حينها شعرت بأن أمرا ما سيحدث\”، مضيفا \”كان هناك قرار بحظر التجوال\”.
ويروي \”نحن مجموعة من الشباب جزء من اللجنة التنسيقية في مركز المحافظة، كنا قررنا الذهاب باكرا الى شارع الحبوبي وسط الناصرية لمشاركة زملائنا هناك لكن حظر التجوال حال دون ذلك\”، متسائلا \”لم يعلن في الناصرية حظر تجوال دون بقية المحافظات؟\”.
ويصف كولي ما حدث في الناصرية من تفريق المتظاهرين بالقوة، واستخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع بـ\”المؤلم\”، مبينا ان \”الاجهزة الامنية بدأت بتضييق الخناق على المتظاهرين للحيلولة دون وصولهم الى مكتب مجلس النواب في المحافظة\”.
ويعرب كولي عن اعتقاده ان \”هناك مؤامرة كبيرة في خنق وقتل صوت ابناء المحافظة\”، معتبرا ان \”ما آلمنا هو ما قامت به الشرطة بمحاولة اعتقال بعض منسقي اللجنة واعضائها بعد ان اعتدت عليهم بالضرب\”.
ويشير الى ان \”بعض النشطاء لم يذهبوا الى بيوتهم خشية اعتقالهم، واكدوا لي انهم في اماكن آمنة لحين استقرار الوضع\”.
تعاطف برلماني
المؤسسة التشريعية ممثلة بـ\”مجلس النواب\” الذي خرج آلاف المتظاهرين ضد مخصصات وتعويضات اعضائه، دان في بيان اصدره مقرر المجلس النائب محمد الخالدي، القمع والمنع.
وشدد الخالدي في بيانه الذي تلقت \”العالم الجديد\” نسخة منه، بقوله \”عازمون وبشدة على تشريع قانون في البرلمان وباسرع وقت لتنفيذ المطالب الشرعية وتحقيق التوازن بين ابناء الشعب العراقي\”.
وبيّن ان \”تلبية مطالب المتظاهرين وتحقيق ارادتهم وتطلعاتهم المشروعة انما هي مسؤولية تقع على عاتق الجميع من سلطة تنفيذية وتشريعية وعلى القوات الامنية المبادرة بتوفير الحماية وتأمين الطرق للمتظاهرين السلميين\”.
وأدان \”وبأشد عبارات الشجب والاستنكار ما تقوم به الاجهزة الامنية من اجراءات تعسفية ظالمة من قمع وقطع للطرقات واعتقالات في صفوف ابناء بغداد والمحافظات الذين خرجوا بتظاهرات سلمية للتعبير عن مطالبهم\”.
وعلقت لجنة الامن والدفاع النيابية، على لسان النائب حامد المطلك في تصريح لـ\”العالم الجديد\”، بان \”المتظاهرين خرجوا بطريقة سلمية وحضارية، لهذا يجب على السلطات ان لا تقابلهم بالهراوات\”.