رغم مرور 11 يوما على اختطاف الناشط البيئي البارز، جاسم الأسدي، إلا أن السلطات الأمنية لا زالت تغط في صمت عميق، لم تكشف فيه عن نتائج التحقيق لغاية الآن، في ظل قلق وهلع في نفوس مريديه وزملائه، فيما تكشف مصادر مطلعة عن سبب تواجد الأسدي في بغداد قبيل اختطافه، والذي يتمثل بإعداده وفدا متخصصا للقاء برئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، لمناقشة “أمر هام” يخص الأهوار جنوبي البلاد.
ويقول مصدر مطلع خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الأسدي، كان يتردد على العاصمة مؤخرا بهدف التنسيق للقاء رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، برفقة 4 آخرين من المتخصصين في ملف الأهوار، بهدف طرح قضية مهمة وملحة تخص الأهوار”.
ويوضح المصدر، أن “الأسدي كان قادما إلى بغداد لتحديد موعد اللقاء مع السوداني، وفي الطريق للعاصمة جرت عملية اختطافه”، لكنه لم يبين فحوى “القضية المهمة” التي أراد طرحها على السوداني برفقة المتخصصين الآخرين، لافتا إلى أن “السوداني يشرف شخصيا على متابعة قضية الأسدي، وأنه على تواصل مستمر مع الأجهزة الأمنية، حتى أنه قبل زيارته الأخيرة للإمارات، كلف مقربين منه بمتابعة التحقيق بشكل مباشر، وإطلاعه على كافة التفاصيل”.
وأعلن في 5 من الشهر الحالي، عن اختطاف الأسدي، من قبل شقيقه ناظم الأسدي، حيث أدلى بأن جاسم الأسدي كان يقود سيارته على الطريق السريع آتياً من مدينة الحلة في اتّجاه بغداد عندما أوقفته سيارتان، وقام مسلحون بملابس مدنية بتقييد يدَيه ووضعه في إحدى المركبات ونقله إلى مكان مجهول، وأكد أن الحادثة وقعت على بعد نحو خمسة كيلومترات عن العاصمة.
لكن مصدرا مطلعا أكد اختطافه قبل هذا التوقيت بنحو أربعة أيام، لأن عائلته كانت تفضل الصمت خوفا من ردة فعل الخاطفين تجاهه، لكنها مع مرور الوقت وعدم تلقيها أي اتصال من قبلهم، جعلها تسارع لإعلان الحادث ومطالبة السلطات الأمنية بتحديد مصيره.
وبحسب ما رواه ناظم، فإن قريبا للأسدي كان يرافقه، لكن المسلحين تركوه في اللحظة ذاتها على الطريق، وفيما نفى حصول أي اتصال مع الجهة الخاطفة، كشف عن لقاء جمعه بالسوداني أكد فيه الأخير، متابعة الملف بشكل مباشر، تعهد خلاله بالوصول للجناة وإطلاق سراحه، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية لا تزال تعمل على تحليل المعلومات التي لديها للتوصل إلى الحقيقة، وأن المسألة تحتاج لبعض الوقت.
ويدير الأسدي جمعية “طبيعة العراق” التي تُعنى بالدفاع عن البيئة، وهو يظهر بصورة دائمة عبر وسائل الإعلام المحلية والأجنبية لرفع مستوى الوعي حول الأهوار العراقية المُدرجة على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) للتراث العالمي.
وتعد الأهوار رئة العراق بسبب قدرتها الهائلة على تخزين الغازات الدفيئة، وتحديدا ثاني أكسيد الكربون، فضلا عن أهميتها من ناحية التنوع البيولوجي، وتشكيلها مصدرا مهما لاقتصاد المجتمعات المحلية وسبل استقرارها.
من جانبه، يرى الخبير البيئي تحسين الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما يحدث للأسدي أمر يصعب تفسيره، فربما يتعلق تغييبه بالفساد المستشري في الداخل، والذي يقف الأسدي ضده، لاسيما عمليات التجاوز على المسطحات المائية والأهوار، إضافة إلى أنه مهتم بأمور لا يمكن حصرها كالطبيعة والمحميات الدولية والتنوع الإحيائي”.
ويرجح الموسوي، وقوف “جهة نافذة” لم يسمها، وراء عملية الاختطاف، بسبب “تسليط الأسدي الضوء على مناطق معيّنة ربما أثارت أصحاب النفوذ”، مستبعدا “ما ذهب إليه البعض في أن الأمر يتعلق بانتقاد دول مجاورة تسببت بجفاف الأهوار، كونه ملفا معروفا وتحدث فيه كثيرون غيره”.
ويناشد الخاطفين، بـ”الحفاظ على الأسدي الذي يعد ثروة وطنية، إضافة إلى أنه ليس سياسيا، بل رجل مهتم بالطبيعة والتنوع الإحيائي، متمنيا أن “يأخذ موضوعه حيزا اكبر من الاهتمام، خاصة وأن للأسدي تعاونا مع منظمات دولية عديدة”.
والأسدي مهندس هيدروليك وُلد العام 1957 في أهوار العراق، وشارك منذ 2006 في مبادرات تهدف إلى إنعاش هذه المنطقة الواقعة في الجنوب التي تعرّضت لتجفيف شبه كامل في تسعينيات القرن الماضي في النظام السابق، وعمل في مجالات الأبحاث الخاصة بالمسطحات المائية العراقية، وأسهم بشكل فاعل في الحوارات التي سبقت إدراج الأهوار على لائحة التراث العالمي.
وحاولت “العالم الجديد” التواصل مع وزارة الداخلية، للحصول على رد حول مجريات قضية الاختطاف، لكن لم تتمكن من الحصول على رد.
إلى ذلك، يبين الناشط البيئي رعد الأسدي، وهو من العاملين مع الأسدي في الأهوار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “لغاية الآن ليس لدينا أي معلومة حول عملية الاختطاف، وقد تواصلنا مع عائلته وهم أيضا لا يملكون أي معلومة”.
ويتابع أن “الأسدي من الشخصيات التي عملت على خدمة سكان الأهوار والأهوار بشكل عام، وللأسف ما تعرض له نكبة للبيئة العراقية واختطاف لها، وهو إسكات للأصوات المطالبة بحق البيئة وإنقاذ الأهوار”، مبينا أن “الأسدي ليس سياسيا وبعيد عن الصراعات الحزبية، لذا نستغرب عملية اختطافه”.
ويؤكد أن “اختطاف الأسدي ولد صدمة للناشطين بمجال البيئة ولسكان الأهوار، لذا نطالب الحكومة بسرعة تحريره والإفراج عنه، لأنه خدم العراق والبيئة بشكل كبير”، مضيفا أن “عدم الإدلاء بمعلومات حول مصيره أو ما تعرض له، تسبب بالقلق لنا جميعا كناشطين في البيئة وفقدان الأمان، خاصة مع اللامبالاة بمصيره من قبل الجهات المختصة”.
وشهدت الأهوار، التي كانت تعرف في الحضارات القديمة بـ”جنة عدن”، أقسى موجة جفاف في تاريخها في العام الماضي، حيث جفت مياهها بشكل شبه كامل ولم يتبق منها سوى برك صغيرة، وأظهرت صور تشقق الأراضي، في مشاهد أثارت استياء الرأي العام، لكن مؤخرا عادت إليها الحياة بفعل غزارة الأمطار، بعد أن فقدت اغلب مساحاتها المائية قبل ذلك.
يذكر أن منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (فاو) دقت ناقوس الخطر، وحذرت في تقرير نشر منتصف تموز يوليو الماضي، من أن الأهوار “واحدة من أفقر المناطق في العراق وإحدى أكثر المناطق تضررا من تغير المناخ ونقص المياه”، مشيرة إلى آثار كارثية على سبل عيش أكثر من ستة آلاف أسرة ريفية، إذ أنها فقدت جواميسها التي تعد مصدر رزقهم الوحيد.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد وافقت في عام 2016 على إدراج الأهوار في قائمة التراث العالمي، محمية طبيعية دولية، بالإضافة إلى مدن أثرية قديمة قريبة منها مثل أور وأريدو والوركاء.
ويتعرض العراق لمخاطر التصحر بسبب موجات الجفاف الناتجة عن قلة الحصة المائية لنهري دجلة والفرات بعد بناء عدة سدود عليهما من قبل دول الجوار على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك مثل معاهدة “رامسر” للأراضي الرطبة التي انطلقت عام 1971 في إيران، وأصبحت سارية المفعول في العام 1975، وتتخذ من مدينة جنيف مقرا لها، وانضم إليها العراق عام 2007.
وعادت المياه إلى الأهوار بعد عام 2003، بعد إزالة السدود الترابية التي بنيت في فترة رئيس النظام السابق صدام حسين، وعاد إلى المنطقة أكثر من 200 نوع من الطيور وعشرات الأنواع من الحيوانات البرية.