صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

14 تموز .. تحوّل تاريخي بقيادة متخاصمة!

قد يختلف معظم العراقيين في توصيف التحول السياسي الذي حدث في 14 تموز عام 1958 من الملكية الى الجمهورية في بلد مثل العراق بأن ما حصل هل كان انقلابا عسكريا ام ثورة جماهيرية ؟ وقد تختلف النخب العراقية في تقييم مرحلة الجمهورية في سنواتها الخمس الاولى وفي المفاضلة فيما بينها وبين الملكية، كما انها قد تختلف أيضا في نوايا قادة ذلك التحرك من الضباط العسكريين، لكن الغالبية الساحقة من العراقيين لا تختلف على الاشادة بشخص عبد الكريم قاسم وعلى النزاهة…

قد يختلف معظم العراقيين في توصيف التحول السياسي الذي حدث في 14 تموز عام 1958 من الملكية الى الجمهورية في بلد مثل العراق بأن ما حصل هل كان انقلابا عسكريا ام ثورة جماهيرية ؟ وقد تختلف النخب العراقية في تقييم مرحلة الجمهورية في سنواتها الخمس الاولى وفي المفاضلة فيما بينها وبين الملكية، كما انها قد تختلف أيضا في نوايا قادة ذلك التحرك من الضباط العسكريين، لكن الغالبية الساحقة من العراقيين لا تختلف على الاشادة بشخص عبد الكريم قاسم وعلى النزاهة التي كان يتمتع بها وما قام به من تأسيس لمبادئ التوزيع العادل للثروة وانهاء مرحلة الاقطاع القبلي البغيض.

تحولات الرابع عشر من تموز رغم انها لم تستمر سوى خمس سنوات الا انها تركت ورائها معطيات اتكأت عليها جميع الحكومات العراقية السابقة بما في ذلك اعداء عبد الكريم قاسم بل لازال البعض حتى هذه اللحظة يعتمد على البنية التحتية التي وضع حجر اساسها في تلك الفترة، لا بل حتى نصب الحرية هو الاخر ليس الا معطى من معطيات تلك المرحلة الاستثنائية في تاريخ العراق.

اما زعيم ذلك التحول السياسي العسكري اقصد عبد الكريم قاسم فلازال حتى الان يحتفظ بلقب اكثر الزعماء العراقيين جماهيرية حتى وان كان منتميا الى العسكر الذين لم يتركوا ورائهم الا روائح البارود ومخلفات الاستبداد والذين لا يمتلكون شعبية كبيرة في الشارع العراقي بشكل عام.

ان الذي اعطى للدولة العراقية ملامح الجمهورية والشعبية هو عبد الكريم قاسم بما قام به من تحوّل يستهدف الطبقات الفقيرة والتي كانت تمثل اكثر من 80% من المجتمع العراقي آنذاك، ولذلك فان حقبة التغيير من الملكية للجمهورية كانت مقرونة بالزعيم عبد الكريم قاسم وما لهذه الشخصية من كاريزما ومحبة بين الناس. وهذا ربما غطى على الكثير من سوءات الشخصيات المشاركة في الانقلاب والتي وجدت نفسها لا تنسجم مع عبد الكريم قاسم الا في مبدأ التغيير والتحوّل للجمهورية، امّا ما عدى ذلك فليست هنالك ارضية مشتركة فيما بين اغلب قيادات ( الثورة ).

ما حصل للعائلة المالكة من مجزرة وما دبر من محاولات متتالية لتدبير انقلاب ضد عبد الكريم قاسم من قبل رفقاء دربه وممن ساهموا معه في احداث 14 تموز وما شابه ذلك من احداث يمثل مؤشرا مهمّا على ان قيادة (الثورة ) كما يسميها البعض  او (الانقلاب) كما يسميه البعض الاخر.. لم تكن منسجمة في الاهداف السياسية وطريقة ادارة البلاد، وان العديد من شخوصها كانوا يتنفسون بنفس طائفي عبّرت عنه النهاية المبكرة لمرحلة عبد الكريم قاسم. انها مشكلة كانت تغفو بين اضلاع الساسة والعديد من قيادات الجيش في وقت واحد وهذا ما يفسر عودة بعض العسكريين للسطلة بحلة اخرى وتحت لافتات جديدة. العصبيات الطائفية كانت تعبّر عن نفسها في تلك المرحلة ورغم ذلك يصرّ البعض على ان الطائفية لم تكن الا منتجا افرزه الاحتلال الامريكي!

لقد كان عبد الكريم قاسم يميل لابعاد العراق عن سياسة الشعارات غير المحسوبة وهناك من يسانده في ذلك لكن عبد السلام عارف وبعض القيادات القومية التي تدور في فلكه كانوا مصابين بهوس وغرام الاتحاد مع مصر وسوريا وهذا ما فسح المجال لعبد الناصر كي يلعب بتلك الورقة التي آتت اكلها في احداث انقلاب 8 شباط 1963 ولكنها فشلت في اقامة مشروع ( الوحدة العربية ) واثبتت الايام ان تلك الوحدة وفقا لما كان يطرحه القوميون في العراق وفي غيرها من الاقطار العربية انها ليست الا شعارا عاطفيا مؤدلجا لم يكن ينطلي على واقعية عبد الكريم قاسم ورؤيته السياسية الناضجة والتي خذلته فقط حينما تخلى عن حلف بغداد. فانسحاب العراق من الحلف كان واحدة من الاخطاء الكبيرة التي ارتكبها عبد الكريم قاسم رغم ان الانسحاب جاء وفقا لمبدأ منطقي في العلاقات الدولية وهو الوقوف على الحياد بين قطبين كبيرين.. لكن تلك الخطوة كلفت العراق كثيرا لانها جاءت في زمن لايتحمل الحياد في منطقة مثل الشرق الاوسط، الحياد فيها يعني خسارة الطرفين.

 

 

إقرأ أيضا