لأسباب كثيرة تمثل قرية الصحين الواقعة على بعد حوالي 50 كيلو مترا جنوب مركز محافظة ميسان نقطة ارتكاز اساسية في الاهوار الوسطى، فقد ضمت فندقا عائما، مركزا صحيا، قصرا لصدام حسين كما احتضنت مهرجانا سنويا لسباق القوارب او المشاحيف ومميزات عديدة اخرى. لكن من بين المميزات الكثيرة التي تحظى بها القرية وجود مدرسة يعود تأسيسها للعام 1958 وهي من اقدم المدارس في الاهوار. ان المدراس بشكل عام ومدارس الاهوار بشكل خاص بمثابة ذاكرة وتاريخ لأهالي القرية ولجميع من مروا عليها.
مدرسة المنار الريفية صاحبة الفضل على اهالي الصحين وعلى الكوادر التي عملت فيها من اهالي القرية او من خارجها، لقد وفرت فرصة استثنائية لبعض ابناء المدينة كي يعيشوا التفاصيل اليومية لتجربة الحياة في الاهوار بحلوها ومرها وهذه التجربة دفعت بعضهم لتوثيق تلك التفاصيل بأشكال مختلفة منهم من الف كتبا حول ذلك ومنهم من وثق تلك التجربة بأعمال فنية. المدرسة صاحبة الفضل الاكبر على سكان المدينة حينما علمت ابنائهم، ورفدت المجتمع العراقي بالكثير من المميزين منهم، مئات الاسماء مرت عبر تلك المدرسة، الكاتب قاسم موسى الفرطوسي، محافظ ميسان علي دواي، عشرات بل مئات الاسماء التي استلمت مراكز متفاوتة الاهمية في الدولة العراقية تلقوا تعليمهم الابتدائي في تلك المدرسة الريفية.
في حديث شخصي مع ابرز مدراء المدرسة شيخان الفرطوسي يؤكد الرجل انه كان يتفقد طلابه بين الحين والاخر ويجبرهم على الحضور الى قاعة الدرس بل يقصدهم حيث يعملون ويأتي بهم بالقوة الى المدرسة، بهذا الاحساس التربوي المسؤول استطاعت الكوادر العاملة بإخلاص ان تثمر. المثير حول تلك المدرسة ان مساحة زمنية لابأس بها من فلم “الاهوار” لقاسم حول والذي انتج عام 1975 تم تصويره في تلك المدرسة، المخرج استطاع توثيق تفاصيل الحياة التعليمية لتلك المدرسة في وثيقة تاريخية نادرة، قاسم حول اخذ طلاب المدرسة في رحلة مدرسية مثيرة الى معمل السكر في المجر الكبير ورصد ردود افعال التلاميذ في رحلة تعليمية من نوع آخر.
سكان قرية الصحين طالبوا الجهات الرسمية افتتاح مدرسة متوسطة في القرية وبعد سلسلة من المناشدات استجاب لطلبهم صلاح عمر العلي حينما زارهم في احدى المرات، لكن المدرسة اغلقت بعد اشهر اثر زيارة لصدام حسين بتصرف مزاجي جدا حينما شاهد لوحة تعريفية قرب المدرسة كتبت باللغة الانجليزية توضيحا للسواح القادمين من مختلف انحاء العالم والذين يقصدون تلك المنطقة بين الحين والاخر، صدام سال عن اللوحة فترجمها له مرافق معه فلم تعجبه العبارة فامر بأغلاق المدرسة كما يؤكد مديرها الاستاذ شيخان.
مدرسة المنار الريفية صاحبة الدور الكبير في تنشئة اجيال من المتعلمين.. بعد اكثر من ثلاث عقود على تأسيسها وبسبب احداث حرب الخليج الثانية وما رافقها من فوضى اضافة الى قرارات نظام صدام حسين بتجفيف الاهوار تحوّلت الى مجرد اطلال تحكي نهاية قرية اختفت ملامحها للابد، لتبقى مجرد ذكرى.
gamalksn@hotmail.com