بعد سبات طويل: اليونسكو تنتفض وترحب باستعادة مهد الحضارة

تخطى مسلسل العنف الذي تنفذه داعش والقوى المتطرفة الأخرى في سورية بإستهداف الأرواح البشرية إلى…

تخطى مسلسل العنف الذي تنفذه داعش والقوى المتطرفة الأخرى في سورية بإستهداف الأرواح البشرية إلى تدمير للمعالم التاريخية كما حصل بالمناطق الأثرية ولاسيما مدينة تدمر التي كان لها النصيب الأكبر من الأضرار والدمار، والجميع يعلم أهمية  هذه المدينة ليس فقط عربياً بل عالمياً فهي مدينة فريدة من نوعها وموجودة على لائحة التراث العالمي، ومن هذا المنطلق إن الحرب لم تعد حرباً على سورية الوطن فقط، بل تحولت الى حرب للنيل من تاريخها وعراقتها وسلب إرثها الحضاري والثقافي، فهم يهدفون الى تعزيز خلخلة موقع سورية في التصنيف العالمي وتشويه وتغيير هذا الإرث الحضاري والثقافي الكبير للشام، هذا البلد الذي عاصر الدول الإسلامية وتاريخ الخلفاء والأمم المتعاقبة.

 

ما انفكت داعش تخرِب وتدمر مواقع تاريخية وثقافية ودينية وطبيعية في أرجاء مختلفة في الأرض السورية،  فبعد أكثر من خمس سنوات من الحرب على سورية لا تزال التنظيمات الإرهابية تتبع سياسة التخريب والتدمير الممنهج للتراث السوري، فدمّرت العديد من المواقع الأثرية المهمة، وتاجرت بالآثار السورية، وهرّبت بعضاً منها للخارج لتباع في المزاد العلني خاصة في الأسواق الأوروبية والأمريكية، وليستخدمها بعد ذلك التنظيم الإرهابي داعش لتمويل جرائمه ضدّ الشعب السوري.

 

كثيراً ما أرتكبت اليونسكو أخطاء جمة ومع كلّ أزمة وصراع قللت فعالية إجراءاتها والثقة في دورها كمدافع عن التراث الثقافي، وفي ظل الحرب والفوضى وتعرض الآثار السورية لعمليات السرقة والتدمير، تأتي اليونسكو بعد فوات الأوان لإنقاذ آثار سورية، فخطط اليونسكو لتدريب موظَّفي الجمارك في الدول المجاورة لسورية، جاء بعد فوات الأوان، ونحن نعلم أن كل السرقات التي تقع على الآثار يجري تهريبها إلى السوق الاوروبية وإلى غيرها عبر الأراضي التركية التي تمثل مسرحا مفتوحاً دموياً للارهابيين والعتاد والتمويل اللازم لهم ولو قطع التمويل والعتاد أو أغلقت الحدود التركية سوف تنخفض مباشرة بنسبة تفوق التسعين بالمئة كل عمليات الإتجار بالآثار والسرقات التي تتم على الأراضي السورية، فاليونسكو لا تمتلك جيوشاً ولا قوات ولكنها تمتلك صوتاً إعلاميا قوياً ومؤثراً أدركناه وسمعناه بقوة ووضوح أثناء تدمير المعبد البوذي في هضبة باميان في أفغانستان، وبالمقابل أن هذا الصوت لم نسمعه أويصلنا بقوة رغم التدمير الهمجي والمروع لكل أوجه الحضارة في سورية، وخاصة في تدمر التي شهدت تدمير آثارها ومتاحفها، وفي هذا الإطار يجب ألا تقف اليونسكو مكتوفة الأيدي أمام ما يحصل في سورية من إعتداءات على الآثار ضمن إطار صلاحياتها ومناشدة الدول وحتى القوى الإسلامية للمحافظة على الأبنية الأثرية وعدم تخريب محتوياتها أو الاتجار بها.

 

برغم ذلك أدانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” ما وصفته بالإستهداف اليومي للتراث السوري المادي واللامادي بالنهب والسرقة والتهريب والتدمير عبر تجار الآثار والمخطوطات وعبر تجار الحروب والمليشيات المسلحة، والباحثين عن الثروة و الثراء السريع، حيث رحبت المديرة العامة لمنظمة “اليونسكو” إيرينا بوكوفا بالهجوم الذي يشنه الجيش السوري لإستعادة مدينة تدمر الأثرية من تنظيم داعش الذي دمر الكثير من معالمها التاريخية ومطاردة فلول المليشيات المسلحة لإنهاء تاريخ الإرهاب المظلم من بلادنا، وأضافت قائلة: “منذ عام، أصبح نهب تدمر هو رمز التطهير الثقافي الذي يضرب الشرق الأوسط”، وأشادت بوكوفا بتحرير الجيش السوري مدينة تدمر الأثرية، ورأت أن هناك تدميراً متعمداً للآثار في  سورية بلغ مستويات غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، كما اعتبرته تطهيراً ثقافياً يهدف إلى تدمير الجذور المشتركة للإنسانية.

 

في إطار ذلك يمكنني القول إن الذين يريدون لتراث سورية الدمار والفناء، نقول لهم: مهلاً فهل تريدون قتل تاريخنا وقطع جذورنا، فأرواحنا ارتبطت بهذه الآثار، والتاريخ لا يمكن إزالته والقضاء عليه بمجرد رغبة في نفس هذا الشخص آو ذاك ممن لا يقدرون قيمة الأشياء ولا يعتزون بتراثهم وتاريخهم، فهذا التاريخ ليس ملكاً لأحد، بل إنه ملك لكل السوريين وملك أيضاً للبشرية جمعاء، فلا يجب أن يتعرض للتدمير لأنه إضرار بروح الشعب وهويته الوطنية، ومن هنا فإن مسؤولية حماية هذا الرصيد وصيانته واجب يقع على كاهل المجتمع السوري خاصة والإنساني عامة، حفاظاً على معالم الحضارة الإنسانية بمختلف تجلياتها ومكوناتها، وبحكم أن سورية تعد مهداً عريقاً من الحضارة الإنسانية، والتفريط في ذلك الرصيد يمثل خسارة فادحة للشعب السوري والإنسانية جمعاء

 

وأخيراً أنظر اليوم بعين الأسى والحزن ونحن نرى ونسمع عن آثارنا وهي تسرق وتباع بأبخس الأثمان، وإذا كان هناك من رسالة ينبغي أن ترسل الى منظمة اليونسكو بإعتبارها المنظمة التي تقع على عاتقها حماية العلم والثقافة، هي تعزيز دورها للحد من تدمير وسرقة الآثار من خلال إيجاد صيغة أمنية لحماية الآثار، بالإضافة الى إصدار التشريعات والقوانين وتطبيقها بحزم بحق كل من يساهم في تدمير وسرقة إرث سورية فضلاً عن إقامة الندوات التثقيفية والتوعوية عن الآثار وأهميتها باعتبارها ثروة وطنية هامة، وبإختصار شديد، إنه بفضل إرادة أبناء هذا الوطن سنقتلع زرع التطرف والحقد، ونكسيه برياح المصالحة والتسامح والأمل، وسوف يبني السوريون ويورثون لأبنائهم وطنا حقيقياً يليق بهم وبتضحياتهم، وطن يعيد إلى سورية مهد الحضارة ووجهها الحقيقي المعطاء.

 

Khaym1979@yahoo.com

 

إقرأ أيضا