يسري جدل كبير بشأن الجانب اليقيني المسنود للشكلانية الدينية المتمثلة بزيٍ محدد هو العمامة بشقيها السني والشيعي التي وان اختلفت من حيث السيمياء إلا أنها تتساوق من جهة التأثير، يتصور من لبس العمامة بقدرتها على منحه المعرفة العلمية اللازمة للوقوف على الجوانب الشرعية -أصولاً وفروعاً- بدون أن يبذل جهداً يتلاءم مع ما بُذل من قبل عمائم رسخت اشخاصاً زرعوا معرفةً دينية عبر الكد والتعب والمثابرة، غير أن المفارقة تغدو أكثر إبهاراً حين تغدو العمامة كفيلة بمنح مرتديها العلم الشمولي، ففي الوقت الذي يتجه العلم الى المزيد من التخصص نرى أن من يرتدي هذا الزي يتصور انه قد امتلك معرفة كل شي في أي شي، فهو اقتصادي وسياسي وانثربولوجي ولساني يضارع نعوم تشومسكي، كيف لا وهو يحاضر في كلية عريقة عن (اللسانيات العصبية)! والمفارقة تكمن في عدم قدرة الكثير ممن اتخذ العمامة- بوصفها نصاً غير قابل حتى للمراجعة- غير قادر على ابتداع نصه الخاص في المجال الديني الذي يُفترض أن يكون مجالا لأشتغالاته العلمية ، من حيث الممارسات العلمية في الحقل الذي اتخذه منهجاً وطريقًا، فلا نجد محمد حسين الطباطبائي مثالاً في تحيين معرفة تمنح لصاحبها نسقاً علمياً مقترباً من التحصيل ومبتعداً عن الشكلانية.
وقد لا نبالغ إذا ما قلنا بعدم وجود نص يوازي نص العمامة عند الكثير ممن يرتدونها، في قبال هذه المعرفة اليقينية التي يسبغها الناس على زيٍ بعينه، هناك نوع من الطهرانية لا تبتعد كثيراً عن سيمياء العلامة بوصفها نصاً، هذه الطهرانية المرتبطة بالشكلانية تتنافى كليا مع المعيار الداخلي الذي ورد في الحديث الشريف: إن الله لا ينظر الى صوركم واجسادكم، إنما ينظر الى قلوبكم، هذا التزاوج بين معرفة يقينية يمنحها بعض الأشخاص لأنفسهم عبر سيمياء العمامة وبين توصيف طهراني لنفسٍ إنسانية أمارة بالسوء كما ورد في التوصيف القراني، هذا التزاوج ينبغي أن يخضع لمحددات مستوحاة من الرؤية الاسلامية للعمامة بوصفها زياً لا نصاً، قد يقول البعض وما الضير في ولوج المعمم علوماً خارج المجال الذي اختاره؟ لا اعتراض على هذا الولوج لكن ينبغي ان يخضع لاشتراطين أساسيين: أن يكون دخوله بوصفه شخصاً وليس نصاً، وأن يكون خاضعاً للتقييم من قبل أصحاب الاختصاص لأن أهل مكة أدرى بشعابها.