صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

31 آب: عَراضة علمانية سلمية واعدة!

يمكننا، دون مبالغة أو تردد، وصف أحداث السبت العراقي الكبير، وتظاهرات  31 آب، بأنها العراضة الأولى للتيارات والقوى والشخصيات العراقية العلمانية الوطنية على الأرض منذ عدة عقود. تأتي هذه العراضة السلمية وقد بلغت العملية السياسية الطائفية غاية تعفنها، ووصلت المجاميع المسلحة التكفيرية والمليشيات الطائفية أقصى درجات دمويتها ووحشيتها، وبلغت القوى العلمانية التقليدية التي أسهمت في تأسس المحاصصة الطائفية والتحالف مع الاحتلال غاية تشرذمها وضمورها، أما الفشل الحكومي في حماية الناس والمؤسسات فقد أصبح نارا على علم، وصار تدخل دول الجوار كإيران والسعودية وتركيا بل وحتى \”إمبراطورية قطر العظمى\” إلى جانب تدخل دولة الاحتلال الولايات المتحدة الأميركية وسفيرها في بغداد شيئا عاديا ومألوفا.

جاءت هذه العراضة السلمية الواسعة وقد بلغت معاناة العراقيين من سوء الخدمات والفساد الإداري والمالي والدجل والنفاق السياسي والديني وغطرسة القوة التي تعتمدها السلطات الأمنية في مواجهة الناس سواء كانوا من ضحايا الإجرام التكفيري أو في المناطق المتهمة بأنها حاضنات مجتمعية له كما هي الحال في حزام بغداد، بلغت أوجها فعلا.

لقد أثبتت أحداث السبت أن خلاص العراق بيد علمانيّة الوطنيين، وأقول \”الوطنيين\” تمييزا لهم عن علمانيي الاحتلال من أمثال كنعان مكية وفخري كريم إيباك وسعد البزاز.. الخ. فبعد مرور عدة أشهر على انطلاقها بقوة وعنفوان وكثافة، فشلت الحركة الاحتجاجية في المناطق الغربية في تشكيل حالة وطنية رافضة للمحاصصة الطائفية وعمليتها السياسية الفاشلة والقاتلة، وفشلت في تقديم بديل وطني حقيقي لما هو قائم، بل قدمت المزيد من المليشيات والجيوش العشائرية، والسبب هو أنها وقعت هي الأخرى في حبائل رد الفعل فاستولى على قيادتها رجال الدين وبعض شيوخ العشائر الطائفيين والسياسيين الانعزاليين من دعاة الإقليم السني وأيتام نظام المقابر الجماعية، فصاروا انعكاسا لخصومهم الطائفيين في الأحزاب الإسلامية الشيعية المسيطرة على الحكم.

العلمانيون الوطنيون، وخصوصا في الجنوب والفرات وبغداد، هم القوة القادرة على منازلة الأحزاب الطائفية المسيطرة على الحكم وأدوات القمع وتخليص العراق وشعبه من فسادها وجهلها وتخلفها ووحشيتها التي تبدت أمس بكامل سماتها الفاشية.. ومن الصواب القول إن أية حركة وطنية جديدة لا يمكن لها أنْ تكون، وأنْ تكسب الشعب وتحقق أهدافه إلا إذا كانت وطنية شاملة وممتدة على المستوى العراقي \”لإقليم كردستان وضعه الخاص حاليا بسبب هيمنة الأحزاب القومية وتحويله إلى إمارات عشائرية\” فبدون مشاركة الوطنيين العلمانيين في جميع أنحاء العراق لا يمكن هزيمة حكم المحاصصة الطائفية، وستكون أية محاولة جزئية تنشأ هنا أو هناك محكومة بالمآل الذي آلت إليه الحركة الاحتجاجية في المنطقة الغربية، ويبقى الجزء الأصعب والأهم من مهمة الإطاحة بسيطرة الأحزاب الإسلامية الشيعية، سيكون هذا الجزء من حصة الوطنيين العلمانيين والحركة المدنية في الجنوب والفرات وبغداد فهم القادرون والمرشحون بفعل قوة الأشياء وحالة الموازنات الفعلية وبدفع من الوقائع الديموغرافية على كسر ظهر قوى التخلف والرجعية الطائفية وإخراجها من الميدان وإنقاذ العراق منها ومن شرورها.

إضافة إلى ما أسلفنا عنه الكلام، فقد أثبتت تظاهرات السبت أن شعب العراق، ورغم كل مصائب الجحيم التي صبها الاحتلال والتكفيريون الدمويون والمتخلفون في حكم المحاصصة الطائفية على رأسه لا يزال حيا و واعيا ومتحضرا، يجيد لغة النشاطات السلمية والتعامل الندي والمحترم مع الآخر، فأغلب التظاهرات انتهت بسلام وهدوء وسلم قادتها بياناتهم وعرائضهم إلى المحافظين ولم تحدث أية خروقات أمنية، بل إن الذي حدث هو اعتداءات قامت بها القوات الأمنية على المتظاهرين السلميين وخصوصا في الناصرية: كم يخشاك الظالمون.. أيتها الناصرية!

كما أثبتت التظاهرات أيضا أن حكام بغداد اليوم أغبياء وقساة ولا يجمعهم جامع بالديموقراطية وحرية وكرامة البشر ولا يقلون وحشية وقمعية عن الحكام الذين سبقوهم مثلما أثبتوا أنهم رعاديد وومهزوزون وأكثر هشاشة من بيض اللقلق في مواجهة الجماهير العزلاء!

لقد أثبت رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي شخصيا والتحالف الوطني الذي يدعمه أنه متفرد في قيادة الحكومة بامتياز وقد اختطف السلطة ليس فقط من شركائه في العملية السياسية الفاشلة من الطائفيين والقوميين الأكراد، بل وأدار ظهره حتى لجمهور واسع ممن انتخبوه وخصوصا في الجنوب والفرات وبغداد. وبيانه المؤيد لمطالب المتظاهرين بعد عمليات قمعهم من قبل قواته ليس إلا محاولة سمجة لامتصاص غضب الناس دفعه إليها ذعره من خسارة أصوات العراقيين في تلك المناطق. ولكي لا تكون النتيجة استبدال حزب طائفي بآخر من ذات الطينة؛ ينبغي على القوى الوطنية العلمانية في الجنوب والفرات وبغداد خصوصا أن تستعد لاستعادة الحكم منه ومن أمثاله.

لقد أثبتت تظاهرات السبت أيضا، أن وحدة الشعب العراقي عميقة وأكثر رسوخا مما ظنها بعضهم، وأن الاستقطاب الطائفي ليس هو كل شيء في الميدان، فرغم أنف الانعزاليين بقيادة عبد الرزاق الشمري الذي يصف نفسه بالناطق الرسمي لساحة اعتصام الأنبار، والذي رفض رسميا، كما نقلت الأخبار، المشاركة في التظاهرات حيث زعم بأن المشاركين فيها لم يعترفوا بمظلومية أبناء المحافظات الغربية، رغم أنف هذا الانعزالي وأمثاله، خرجت تظاهرات قوية في الموصل أم الربيعين وفي الفلوجة المجيدة.. وهذه بشرى خير وأمل على أبناء شعبنا!

أما حرقصات بعض اللاهثين خلف التظاهرات الشعبية الأخيرة، محاولين ركوب الموجة، كما فعل أكثر النواب تغيبا عن حضور جلسات مجلس النواب وأكثرهم سفرا وإقامة في دول الجوار والغرب إياد علاوي، والذي هرع قبل أنْ تخلو الشوارع من آلاف المحتجين، ليلقي خطابا رنانا وحماسيا من على شاشة قناة \”الشرقية\” فهي حرقصات بلهاء لا تسوى قشر بصل أو ما دون ذلك!

سلمت أيدي جميع من أسهم وخطط وقاد وشارك وأيد ودعم هذه العراضة الديموقراطية العلمانية، وعلى الجميع الاستعداد للعراضة السلمية القادمة فالعراق غالٍ ويستأهل التضحيات!

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا