4 إرهاب

كان لشجاعة صحفية اردنية الفضل في الكشف عن جريمة تغيير تاريخ انتهاء الصلاحية لآلاف الاطنان من البسكويت المدعم الذي يرسل كي يوزع على اطفال المدارس الابتدائية في اشد مناطق العراق فقرا، وبلغ حجم الشحنة 46 ألف طن يزيد ثمنها عن عشرين مليار دينار. ولما كانت هذه الشحنة هي ثمرة اتفاق رسمي بين الحكومة العراقية وبرنامج الغذاء الدولي فان المنطق يقول ان هذه الجريمة، التي وقعت على الاراضي الاردنية، تشترك فيها جهات من الطرفين المتعاقدين.

وما ان افتضح الأمر في الصحافة الاردنية ومنها الى الاعلام العراقي حتى سارع بعض المسؤولين العراقيين الى التصريح بأنهم هم الذين اكتشفوا التزوير قبل الصحفية الاردنية، وكأن الامر تنافس على سبق صحفي لا جريمة إيصال غذاء فاسد الى افواه اطفال العراق.

ثم تبارى المسؤولون في نفي دخول الشحنة الى الاراضي العراقية او توزيع اي جزء منها على اطفال المدارس العراقيين. وكان وزير الصحة اشدهم حماسة عندما صرح بأن \”كيلوغراما واحدا\” من هذه الشحنة لم يدخل العراق، ولعل حماسته هذه كانت نابعة من الحرص على سمعة العراق في نظر الاشقاء الاردنيين.

لكن محافظ نينوى تبرع بالكشف عن المستور عندما اعلن ان محافظته فد تسلمت من بغداد 260 طنا من الشحنة بدأ توزيعها بالفعل على الاطفال في ثلاثة اقضية ثم اوقفت بعد انكشاف التزوير، وتم التحفظ على الكميات المتبقية في مخازن المحافظة.

ولما كان بديهيا ان نينوى ليست حالة استثنائية بين بقية محافظات العراق، وان البسكويت الفاسد لابد وان يكون قد وزع على محافظات اخرى، تسابق مسؤولون في عدة محافظات الى الاعلان عن تسلمهم لحصصهم من هذه الشحنة مع انكار تام لعملية توزيعها على اطفال المدارس. الكل يقول بنفس واحد انه قد اكتشف التزوير، ربما بوسائله المتطورة، قبل وسائل الاعلام فمنع التوزيع.

ووفقا لما جرت عليه العادة في امثال هذه الفضائح، تم تشكيل لجان تحقيقية، وارسال وفود الى عمان لتقصي الحقيقة او ربما للملمة الموضوع مع الجانب الاردني الذي وقعت الجريمة على اراضيه أو مع برنامج الغذاء الدولي. وما زال تبادل قذائف الاتهامات في وسائل الاعلام بين الاطراف المعنية قائما حتى الساعة.

هذه جريمة واحدة ارتكبت داخل مبنى واحد ينزوي في احد الاحياء النائية لمدينة عمان يعمل فيه بضع عشرات من العمال يقومون يدويا بمسح التاريخ القديم وطباعة آخر جديد مكانه. وكانت الصحفية الاردنية قد تنكرت بهيئة عاملة لتدخل المبنى وتخرج بتحقيق استقصائي معزز بالصور مع نماذج من البسكويت منتهي الصلاحية.

وهذا يقودنا الى تساؤل منطقي: أهذا هو المبنى الوحيد الذي ترتكب فيه جرائم التزوير؟ كم مبنى مماثلا يوجد على الاراضي الاردنية والايرانية والتركية وما لا يحصى من المواقع الاخرى، وبعضها داخل العراق، لا نعرف عنها شيئا؟

هذه ليست بالتأكيد (اول قارورة في الاسلام)، والعراقيون لا يحتاجون في كل مرة الى شجاعة صحفي يكشف لهم المستور. انهم يلمسون ذلك في تردي نوعية مواد الحصة التموينية التي تسلم لهم.

وقبل ايام معدودات فقط، كشف عن وجود كميات كبيرة من الحنطة المتعفنة والمتفحمة في سايلو الصويرة، كانت ستتحول الى خبز يدخل بطونهم من بوابة الحصة التموينية.

وما دام الامر كذلك، من حقنا ان نتساءل عن الكميات التي لم تكتشف او تلك التي مررت على طريقة بسكويت الاطفال. كذلك يعرف العراقيون جيدا الادوية التي تزور تواريخها او تصنع في دول الجوار ثم تعبأ في مغلفات تحمل اسم ارقى شركات انتاج الادوية.

ان جرائم التزوير في الغذاء والدواء هي الأكبر والأبعد أثرا في المشهد العراقي. لأن تفجير سيارة مفخخة يمكن ان يودي بحياة العشرات، لكن جرائم تزوير الغذاء والدواء تتسبب في موت بطيء ومؤلم لملايين العراقيين.

هناك فارق واحد بين الاثنين وهو ان جرائم الغذاء والدواء لا تنطبق عليها المادة 4 إرهاب.

إقرأ أيضا