لا شك أن الخطاب الفلسفي في جوهره خطاباً كونياً، يخاطب الإنسانية جمعاء لأن موضوعه موضوع شامل كونه مرتبط بحاجات الإنسان (أيّ إنسان)، النظرية والعملية، النظرية مرتبطة بسؤال الميتافيزيقا عن أصل الوجود، والعملية متعلقة بالقيم (أخلاق، جمال، سياسة)، فما يُميز الخطاب الفلسفي أنه خطاب غير منحاز، يُخاطب الإنسان بما هو إنسان، بمعزل عن دينيه أو عرقه أو لونه، ولذلك فكل خطاب فلسفي يحمل هذا الهم هو خطاب كوني.
أما الخصوصية في الخطاب الفلسفي، فمصدرها لغة هذا الخطاب التي تكلم بها الفيلسوف، فلكل لغة بنية اجتماعية وتاريخية ذات طابع خاص، فلا خطاب فلسفي من دون لغة، وهو بالتأكيد يحمل تعقيدات اللغة المكتوب بها وتاريخانيتها، مضافاً لذلك البعد الإصطلاحي للمفهوم الفلسفي تداولياً في لغة الفيلسوف، فقد قال هيدغر من قبل أن “الفلسفة تتكلم اللغة اليونانية”. هناك مُحدد آخر للغة هو الحضارة، فليس بإستطاعة الفيلسوف أن يخرج من دائرة الزمن الحضاري الذي قذفه القدر ليكون به وفيه، والحضارة، عمران وأدب وعلم وثقافة، وكل فيلسوف هو إبن عصره، وكل مقومات زمنه الحضاري لا بد أن يكون لها حضوراً فاعلاً في فلسفته. أما المحدد الثالث، فهو القومية على الرغم من كل النقد الموجه للممارسات السياسية ل “القومجية”، ولكن القومية عامل مؤثر في طبيعة الخطاب الفلسفي وإن يكن أقل فاعلية من العاملين السابقين، لكن يجوز لنا أن نضع سمات ذات بعد أو طابع قومي للفلسلفة، فالفلسفة الألمانية لها بعدها القومي في خطاب فخته وكانت وهيدغر، وهذا ينطبق على الفلسفات الأخرى: الإنكليزية بطابعها التجريبي، والفرنسية بفذلكاتها اللغوية ونخروجها عن نمطية الأنساق الميتافيزيقية الألمانية، والأمريكية بفلسفتها البراجماتية، وحتى الصينية في فلسفة التاو والكونفشيوسية ببعديهما الإنساني الصوفي، واليابانية بفلسفة “الكايزن” أو التحسين المستمر والسير نحو الأفضل، والهندية البوذية واليوغا والفيدا، وحتى الفلسفة العربية الإسلامية في توفيقها بين “الحكمة والشريعة”.
في ضوء ما ذكرنا يُمكنا أن نقول أن لكل فلسفة حقيقية كونيتها وخصوصيتها في الآن ذاته.