رأي
لم تكن حوادث الإرهاب في فرنسا، وبلجيكا، والدانمارك، وبقية بلدان أوروبا سببا في ظهور تيارات الإسلام فوبيا او حتى الأحزاب اليمينية المناهضة للمهاجرين المشرقيين، فهذه الأخيرة لها صوت بارز منذ عقدين او ثلاثة واستطاعت قبل بضع سنوات استصدار قرارات تقضي بمنع تشييد المنارات في بعض بلدان أوروبا، لكن اعتداءات دموية كالتي حصلت خلال الأشهر الأخيرة في أوروبا، لا شك انها كفيلة تماما بفسح المجال أكثر مما سبق لتلك التيارات المناهضة للمسلمين والمهاجرين بشكل عام.
تصاعد المخاوف من خطر الإرهاب الذي تسببه الحركات الإسلامية المتطرفة في أوروبا دفع جماعات الضغط في البلدان الأوروبية الى استصدار قرارات غير مسبوقة تتعلق بصميم التفاصيل الإسلامية، قرارات فيها تضييق على حريات الرأي وفقا للمعايير الأوروبية، ولكنها ضرورة أمنية لابد منها وفقا لقناعات أصحاب القرار.
في الأسبوع الماضي أقر البرلمان النمساوي تعديلا جديدا لـ"قانون الإسلام" الصادر في عام 1912، منع بموجبه المؤسسات الإسلامية من الحصول على دعم خارجي. ورغم ان مسوّدة التعديل مقترحة منذ ثلاث سنوات فإن ما دفع بالتصويت عليها الآن التطورات الأمنية الاخيرة في أوروبا والشرق الأوسط.
ذات الحال ربما يحدث قريبا في ألمانيا التي تدرس الآن إصدار قوانين مشابهة، بل ربما أكثر صرامة، فهناك أحاديث عن فرض نسخة رسمية موحدة عن القرآن الكريم باللغة الألمانية، خصوصا بعد ان أغلقت السلطات هناك مسجدا بتهمة التحريض على الإرهاب، وهي حادثة غير مسبوقة في ألمانيا.
واقعيا فان معظم البلدان الغربية أصبحت ملاذا للعديد من الجاليات الإسلامية بطيفها العام، بما في ذلك الشريحة المتطرفة التي تكفر الجميع وتنفرد هي بنهج الحق والحقيقة. السقف المرتفع من الحريات هناك استثمره بشكل سلبي بعض الوافدين، وكانت بالنسبة له فرصة مناسبة لنشر الكراهية والبغضاء بين بني البشر. كثير من المراكز الإسلامية تحوّلت الى منصات لإثارة النعرات الطائفية والسياسية، وبعضهم انطلق من هناك ليؤسس أحزابا مهمتها فقط إقامة الشريعة الإسلامية في المجتمعات الأوروبية الضالة من وجهة نظره.
الإرهاب وضع الجميع في موقف لا يحسد عليه. وضع الجاليات العربية والمسلمة في موقف المتهم، وكلما حصلت جريمة إرهابية في الغرب سيدفع بقية المسلمين والعرب الذين يعيشون هناك تبعاتها بشكل او بآخر. المحيط الذي يعيش فيه القادمون من الشرق يحملهم جزءا كبيرا من المسؤولية حتى وان حصلت الجريمة الإرهابية في بلد آخر، بل ربما يتعرض المسلم لمواقف أكثر صعوبة. نظرات الجميع من حوله كافية لإفهامه تلك الرسائل الجارحة.
الإرهاب وضع الأحزاب السياسية المعتدلة في البلدان الأوروبية، أيضا، في موقف حرج جدا أمام الأحزاب المنافسة لها، ومع هذا السيل من التطرف الذي يأتي غالبا من المهاجرين لابد ان تتخذ القوى السياسية الأخرى موقفا سياسيا واضحا من الهجرة، وهذا في نهاية المطاف يضعها بالضد من أهدافها المعلنة في برامجها السياسية.
نعم ليست السياسة مؤسسة خيرية، والمصالح كفيلة بدفع كل الأطراف لاتخاذ هذا الموقف او ذاك، لكن الأحزاب السياسية في الغرب لا تنقلب بسهولة على برامجها السياسية، كما هو الحال مثلا مع الأحزاب في مناطق أخرى من العالم، انها تحرص على المناورة في مناطق الفراغ والمساحة المفتوحة التي يضمنها البرنامج السياسي دون المساس بالمبادئ الأساسية التي شكلت من أجلها تلك الأحزاب.
لعل أبرز الجهات المستفيدة مما يحصل هي اليمين المتطرف الذي يستثمر تلك الحوادث بشكل مبالغ فيه اذ انها ترفع كثيرا من جماهيريته. وفي نهاية المطاف فان الحوادث الإرهابية الأخيرة لا تزيد صورة المسلمين، أينما كانوا، إلا مزيدا من السوداوية، وتعكس عنهم وعن دينهم أسوأ ما أشيع عنه.