رأي

قصة داعش كقصة فضل شاكر

قصة داعش كقصة فضل شاكر

جمال الخرسان

في يوم من الأيام كان الفنان "الحاج" فضل شاكر يمتهن الغناء، ويمتلك صوتا عذبا ويعيش حياة المرفهين، فجأة وبقدرة قادر ظهر فضل الى الناس بلحى كثيفة وخطاب تحريضي طائفي بامتياز. فضل أصبح فردا ضمن الجماعات المسلحة المحسوبة على السلفية الجهادية. تفاخر ذلك المبتسم الهادئ الرومانسي بقتل جنديين من الجيش اللبناني، ولم يتردد في وصف القتيلين بمفردات قمّة في التطرف. لقد تحول فضل شاكر من "بيّاع القلوب" الى بيّاع للفتاوى يكفّر هذا او ذاك ويخوّن من يشاء! ما ضر فضل شاكر لو اعتزل الغناء وعاش حياته بشكل طبيعي بعيدا عن ممارسة التطرف؟ لقد اختزل الدنيا في ثنائية الغناء او الإرهاب. تأثّر كثيرا بالسلفي أحمد الأسير وانقاد له متطرفا "خذني معك..." فكانت هذه النتيجة ان تحول الى قاتل عبر وسائل الإعلام وشخصية مفعمة بالحقد والانتقام.   وفيما لا زلنا نعيش الصدمة من التحوّل الكبير لفضل شاكر فاجأنا بتحول آخر. ففجأة وبقدرة قادر ترك تلك الجماعات وعاد الى بيته يطلب صفح الآخرين! السنوات الثلاث الدراماتيكية في حياة فضل شاكر تشابه كثيرا قصة داعش. فالتنظيم بعد ان تفرعن ها هو اليوم بدأ بالانحسار والتراجع، ويوما بعد آخر يعود بعض أفراده من حيث أتوا، أما بعضهم الآخر فلقي حتفه في طريق الهزيمة بعدما حكم عليه التنظيم بالانتقام.   داعش الذي انتفخ وزمجر وهدد حتى بلدان الخليج؛ ها هو اليوم يتراجع وينحسر وكأن ذلك المشروع ومموليه، وهذه السيول من الدماء، كانت مجرد خطأ عابر في تقاطعات السياسة.   عودة فضل شاكر مؤشر رمزي لنهاية الحقبة والصعود الصارخ للإسلام السلفي في المنطقة. الملفت أن فضل، وكما تنكر لتاريخه الفني حينما ذهب مع الأسير وقال بالحرف الواحد "فني لا يشرفني"، حينما حلق لحيته وعاد الى بيته تنكّر لخطابه الطائفي وحمله السلاح وقتله جنديين لبنانيين، بل تنكر حتى للشيخ الأسير نفسه! يا لها من نهايات غريبة لا تقل غرابة عن البدايات.   قصة "الفنان" فضل شاكر الذي تحوّل بين يوم وليلة الى "الحاج" فضل شاكر ليست إلا نموذجا لعشرات، بل مئات، الأمثلة، أكاديميون متعلمون يظهرون بثياب طائفية رثة جدا، أهل طرب وموسيقى بقدرة قادر يتحولون الى الخندق الآخر، إنهم لا يعتزلون الفن فقط، بل يتحوّلون الى ايقونات إرهابية وقيادات لمجموعات جهادية سلفية تحرق الأخضر واليابس وتكفّر الجميع!   في المقابل، أيضا، هناك إسلاميون متطرفون يظهرون بأشرطة فيديو وهم يرقصون ويدقون الدفوف وكأنهم في ملهى. اختلط الحابل بالنابل، وأول ضحايا ذلك الخلط والاختلاط العفوي والمتعمّد هو الاعتدال والوسطية التي نحن بأمس الحاجة إليها هذه الأيام.  

مقالات أخرى للكاتب