رأي

مليشيات الفيسبوك

مليشيات الفيسبوك

علاء اللامي

حاولت في أكثر من مقالة إثبات أن كلمة "مليشيا" ليست شتيمة بحد ذاتها، بل مصطلح "سياعسكري" أجنبي لا مقابل حصرياً له في العربية وأن هناك دولا أوردته في دساتيرها كحالة تنظيم لجيشها / المادة 58 من الدستور السويسري مثلا، ولكن دون جدوى عراقيا، فقد ترسخت هذه الكلمة كصفة سلبية وبهذا المعنى استعملتها في هذا المنشور وأمري إلى الله:   إن حالة انعدام العقلانية والإنصاف تقترب حثيثا من أن تكون حالة عامة ومطلقة على أغلب صفحات التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيسبوك من قبل روادها العراقيين وحتى غير العراقيين، ولكن الكلام هنا عن صفحات عراقية حصرا (من النخبة وغير النخبة)، غير أن هذا لا يعني أن معتمدي العقلانية والإنصاف منعدمون تماماً ولذلك قلت "أغلب"، ولكن وجود هؤلاء المنصفين العقلانيين تنطبق عليه مقولة (الاستثناء الذي يؤكد القاعدة) للأسف. المقصود باللاعقلانية السائدة هو طغيان التحزب الغرائزي وانطفاء العقل النقدي والمنطق الحصيف. وأسجل مقدما، وقبل إيراد بعض الأمثلة، أن إيرادي لها لا يعني الدفاع عمن وردت أسماؤهم وأفعالهم فيها، فموقفي من النظام القائم في العراق ومن كل رموزه وأقطابه واضح ومكرر حتى السأم وهو موقف الرفض لهذا النظام وقواعد وأقطابه وليس ثمة أية إمكانية لإصلاحه من داخله إلا بإنهائه وإحلال نظام آخر ونقيض له يقوم على المواطنة والمساواة وليس على أساس المحاصصة الطائفية والتحالف مع الولايات المتحدة وقد اختصرت موقفي هذا بشعار كررته في الكثير من المقالات ونصه (لا حل لهذا النظام إلا بحله).. دونكم الأمثلة:   تصريح نسب إلى السيد فوزي الأتروشي وكيل وزارة الثقافة عن "الكردستاني" وفيه إساءة إلى "المعدان" يقصد به عادة الإساءة إلى الجنوبيين العراقيين أثار ضجة كبرى واتهامات بالعنصرية للمنسوب إليه. وحين نفى الأتروشي أنه صرح بما نسب إليه وتحدى أن يقدم من روَّج الاتهام دليلا واحدا سواء كان مقالة أو تسجيل فيديو أو صوتي أو حتى صورة لم يرد موجهو التهمة عليه بل واصلوا كيل الشتائم له.   تصريح لعمار الحكيم انتزع من سياقه وخلاصته (أن 90% من عناصر داعش من العراقيين ويجب علينا أن نقوم بمصالحة حقيقية) فُسِّر هذا التصريح على أنه دعوة للمصالحة مع داعش ولم يقرأ كتفسير يخص صاحبه لحقيقة انقلاب هذه النسبة (من 10% من العراقيين في القاعدة إلى 90% من العراقيين في داعش) بغض النظر عن صحة هذا التفسير أو عدمها.   بيان لاتحاد القوى العراقية بزعامة النجيفي يشيد بإنجازات الجيش والقوات الأمنية ويعتبرها "ملحمة تاريخية رائعة" جوبه - هذا البيان - من قبل مؤيدي التحالف الوطني خصوصا، وغيرهم كثيرون، بالتشكيك والنقد والمطالبة بعزل هؤلاء وتقديمهم للمحاكمة كداعمين لداعش أو كداعشيين متنكرين بدلا من تقييم التصريح إيجابيا والنظر إليه بعقل إيجابي.   تصريح لمقتدى الصدر رفع فيه التجميد عن قواته "سرايا السلام" أثار ما أثار من ردود أفعال مشككة وكان قراره السابق بتجميد هذه القوات احتجاجا على ممارسات سلبية وانتهاكات وجهها لبعض مكونات "الحشد الشعبي" قد قوبل باحتجاجات أشد، واعتُبِر خذلانا للقوات لأمنية في معركتها ضد داعش.. أي أن المنتقدين وقفوا في الحالتين موقفاً سلبياً ولم يؤشروا على إيجابيات وسلبيات كل قرار من هذين القرارين، فماذا يفعل الصدر ليرضي منتقديه من الجانبين؟   تصريح لأحد شيوخ عشيرة ألبو عجيل، التي اتهم عدد من أفرادها بالمشاركة في ارتكاب جريمة مجزرة "سبايكر" بحق الأسرى العزل، هو كريم العلي، أدلى به بعد تطهير قرية عشيرته من مسلحي داعش أشاد فيه بالقوات الأمنية وقال إنها طمأنت الناس في القرية وقدمت لهم المساعدات والمواد الطبية، ولكن ردود الأفعال جاءت في الغالب الأعم على هذا التصريح الإيجابي والبناء داعية إلى الانتقام الشامل من الشيخ وعشيرته ومُكذبة أو مشككة بما قال ومطلقةً لطوفان من الشتائم والتعليقات التي شملت الصفحة الإعلامية التي نشرت الخبر على الفيسبوك، وهناك من اتهم الشيخ - من باب التشفي والنكاية ربما - بخيانة عشيرته لأنه لم يتحدث عن إحراق منازل القرية من قبل أطراف مساندة للقوات الأمنية العراقية بحسب فيديو نشر على اليوتيوب ولم تؤكده مصادر إعلامية مستقلة ورصينة فيما نشرت وكالة "رويترز" تقريرا مطولا عن استقبال أهالي المناطق المحررة من داعش للقوات الأمنية بشكل إيجابي.   بيان لحكومة كردستان يطالب من يتعاطف أو يؤيد داعش من المقيمين بمغادرة أراضي الإقليم ويحذرهم من أن السلطات هناك ستتعامل مع من يتعاطف أو يؤيد داعش تعاملها مع داعش، قوبل هذا البيان بالسخرية والاستهزاء والتشكيك أيضا وكأن هناك من يترصد كل علامة إيجابية في هذا الظلام الدامس ليطفئها.   الأمثلة كثيرة ومن السهل تفسيرها بواقع الاستقطاب الطائفي وتصاعد العمليات العسكرية في أكثر من محافظة، ولكنني أعتقد أن المشكلة أعمق وأشمل وينبغي البحث عن مسبباتها في الأرضية الاجتماعية والنفسية التي أنتجها نظام حكم المحاصصة الطائفية الذي جاء به الاحتلال والنظام الدموي المتخلف الذي سبقه، ونعلم أن عمر هذا النظام الآن يقترب من 12 عاما والذي سبقه أكثر من ثلاثة عقود، مثلما ينبغي البحث عن تلك المسببات في أرضية المشهد الثقافي العراقي الذي يشكو من العلل والأمراض القاتلة منذ عدة عقود، جرى فيها ما جرى، وبقي - هذا الذي جرى - دون فحص وتمحيص نقدي علمي عقلاني حتى الآن، فلماذا العجب يا رجب؟   علاء اللامي: كاتب عراقي  

مقالات أخرى للكاتب