رأي
مع إعلان السعودية الحرب في اليمن ومشاركة طائراتها بقصف مواقع فيها، فإنها تكون قد فتحت النار على المنطقة، لتؤسس بذلك استعادة أجواء الحرب الباردة التي امتد لظاها في الشرق الأوسط بعد النصف الثاني من القرن الماضي حتى نهايته. جرى تأثير ذلك مع تبدل الأدوار وعقائد المتقاتلين والدول المشاركة في هذه الحرب. فبعد أن كان البعد القومي بقيادة عبد الناصر مهيمنا في خوض الحرب ضد إسرائيل وبتحريض سوفيتي في حرب الأيام الستة، وبعدها محاولة غسل عار هذه الحرب عام 1973، وما تلتها مما يعرف بالحرب العراقية الإيرانية والحرب الأهلية اللبنانية؛ عادت أشباح الحرب لتطل برؤوسها على المنطقة عبر لاعبين جدد تحت عناوين طائفية وإيديولوجية للحليف الثري الجديد للغرب المنتصر بعد انهيار النظام السوفيتي وتقويض واجهة المعسكر الاشتراكي في الجولة الماضية بالحرب الباردة.
ويبدو اليوم أن القطب الشرقي في حالة جمع وإعادة ترتيب أوراقه من جديد بغية العودة إلى حلبة الصراع الأبدي الذي اتخذ من المنطقة نفسها مسرحا له مرة أخرى مع عقائد جديدة بعد أن فشلت القوميات في تعبئة الجماهير والشحن العاطفي وقودا لنار تلك الحروب التي يبدو أنها أصبحت أشبه بالقضاء والقدر على هذه الشعوب المنكوبة.
ويبدو أيضا أن الصراع المتجدد اليوم بين القطبين قضى أمره بشأن الحلفاء الإسلاميين الجدد كي يبدو الأمر كأنه صراع داخلي بين نظامين أو لنقل بين شكلين للدولة؛ الشكل الكلاسيكي القومي للدولة، والشكل الإسلاموي الذي يسعى لمزيد من التشتت والتجزئة وتصعيد النزعات الطائفية والعرقية. والحقيقة التي يعرفها المراقبون أن التدخل (العربي) استنادا إلى اتفاقية الدفاع المشترك كانت مقترحا قوميا للبلدان التي خاضت الحرب بالنيابة عن قطبي العالم المتصارعين إبان الحرب الباردة التي كان طرفا الحرب آنذاك، الدخيل، أو هكذا كان يعده محاربو اليوم، وأعني بها إسرائيل، بمقابل الدول العربية كلها، أو هكذا كان يزعم. وشاءت الأقدار أن تستثمر هذه الاتفاقية للتدخل في فرض رؤية بعض الدول على حساب بعض. والغريب أن إسرائيل هذه المرة أبعد ما تكون عن معترك الصراع.
إذًا تقرع الحرب طبولها في المنطقة رسميا، وتحاول بلدان الخليج العمل بنفسها في فرض خياراتها بعد أن احترقت ورقة الدعم اللوجستي للحركات المناهضة للأنظمة التقليدية.. تلك الورقة التي أنتجت مسخ داعش الذي بات يهدد المنطقة والعالم، فضلا عن تنامي الدور الإيراني الذي بدا أكثر الأطراف تحكما في قواعد اللعبة، فما الذي ستسفر عنه الحرب بعد انقشاع سحب الغبار والدخان؟