رأي
في الأشهر الستة الماضية تعرضت مدينة كربلاء إلى سيل من الخروق الأمنية يعادل جميع ما تعرضت له من خروق في العقد الأخير، على الأقل في ما يتعلق بعدد الأحداث الأمنية وخصوصا السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، ولا أتحدث هنا عن عدد الضحايا، لأن الملفت أن ضحايا جميع الاعتداءات الأخيرة لا يتجاوز ضحايا تفجير واحد من التي تعرضت لها كربلاء على يد تنظيم القاعدة الإرهابي.
عدد الضحايا مؤشر مهم جدا في استبعاد الجهة التي تقف عادة وراء استهداف المدنيين وهي التنظيمات الإرهابية: القاعدة، وداعش، والفصائل البعثية. جميع الجهات التي ذكرت حينما تخطط لتفجير إجرامي تبالغ كثيرا في البحث عن الضحايا المدنيين. إنها ترغب بدافع دموي إلى إيقاع أكبر عدد من الضحايا، وهذا ما لم يحصل في الأحداث الأمنية الأخيرة، ليس لعجز الفاعل عن تحقيق الهدف، ولكن ربما لغاية في نفس يعقوب!
منفذو التفجيرات الأخيرة في كربلاء تجاوزوا جميع الأطواق الأمنية التي تحيط بالمدينة أو أهمها، على الأقل، وكان بإمكانهم إحداث مجزرة كبيرة جدا بين المدنيين ولكنهم لم يفعلوا، بل اكتفوا بتوجيه الرسائل عبر تلك التفجيرات. في الخرق الأمني الأخير وعلى الرغم من أن عدد السيارات المفخخة كان 4 فإن عدد الضحايا لم يتجاوز 4 شهداء وعدد من الجرحى. على سبيل المثال إن إحدى السيارات المفخخة أركنت في زقاق جانبي بالقرب من منطقة باب طويريج الواقعة في قلب مدينة كربلاء، ومن يصل إلى ذلك الزقاق لا تبعد عنه منطقة باب طويريج المزدحمة جدا بالمارة سوى أمتار قليلة، ولا أعتقد أن (القاعدة) أو (داعش) تفوّت فرصة إيقاع المزيد من الضحايا، وخصوصا إن كانوا شيعة. كذلك السيارات الأخرى التي وزّعت وسط المدينة. أضف إلى ذلك أن التفجيرات التي نفذت في ساحة ميثم التمار لوقوف السيارات، حيث استهدفت تلك الساحة أكثر من 5 مرات، لم توقع سوى عدد قليل من الجرحى، مع أن من أوصل المفخخة إلى الساحة قادر على إيصالها إلى مناطق عديدة بالقرب منها يمكن أن تشهد مجزرة كبرى إذا ما فجرت فيها!
مؤشرات كثيرة على أن الأحداث الأمنية الأخيرة لا تشم منها رائحة الإرهاب التقليدي، ولا يمكن رمي التهمة جزافا في رقبة النازحين باعتبارهم حلقة ضعيفة، فذلك يلغي الكثير من الدوافع للبحث عن الجناة الحقيقيين.
لا يمكن استبعاد أي من السيناريوهات في ما يتعلق بالخروق الأمنية. نعم جميع الاحتمالات ورادة، ولكن الاستصحاب الروتيني لما يحصل الآن بناء على ما حصل في المرات السابقة، واكتفاء الأجهزة الأمنية في كربلاء بالقاء المسؤولية في رقبة (داعش) يفسح المجال لمزيد من الخروق المثيرة للجدل والتي لم تعهدها كربلاء بهذه الكثافة منذ مدة طويلة جدا.
[email protected]