رأي
لا أدري هل هي محض مصادفة؟! أم هناك سر خفي يقف وراء ظاهرة انخراط شريحة ليست قليلة من أهل الطرب والموسيقى في صفوف التنظيمات الإرهابية والمتطرفة. يوما بعد آخر يترسخ هذا التساؤل عن سر ذلك التحول الملفت! فما الوصفة السحرية التي تجذب هؤلاء من عالم الفن، والشهرة، والمال الى عوالم التطرف والعطش للدماء؟!
ابن مدينة درنة الليبية محمد الزهاوي تحوّل من عازف ايقاع في فرقة موسيقية شهيرة هناك الى قيادي في تنظيمات موالية لداعش! فضل شاكر احد ابرز المغنيين العرب في الفترة الأخيرة تحوّل بقدرة قادر من عالم الرومانسية والغناء الجميل إلى متطرف مع سبق الإصرار والترصد! الشيخ السلفي الجهادي أحمد الأسير الذي استقطب فضل شاكر هو نفسه ينحدر من عائلة موسيقية ولم يكن بعيدا عن أجواء الموسيقى والغناء!
أحد منفذي جريمة صحيفة شارل ايبدو الفرنسية كان يعيش هوس موسيقى الراب وله محاولات جادة من اجل ان يصل الى امنيته بان يكون مغني راب شهير. مغنية الروك البريطانية سالي جونز تركت الروك وبريطانيا وتحوّلت الى داعشية باسم "أم حسين" تعيش في مدينة الرقة السورية! قبلها أيضا كان حال مغني الراك الألماني دينيس مامادو كوسبيرت حيث ترك الغناء وأصبح منشدا للحركات الإرهابية! أما آخر حلقات هذا المسلسل المثير ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخرا عن انضمام مغني الراب التونسي مروان الدويري لتنظيم داعش!
ليس غريبا أن يعتزل الإنسان الفن، ولكن الغريب ان يتحول فجأة من توجه معيّن الى آخر مضاد له تماما، ما ضر هؤلاء لو اعتزلوا الفن وعاشوا حياة طبيعية بعيدا عن الارهاب ولماذا تختزل الحياة بالنسبة لهم في ثنائية الغناء او الإرهاب؟! الملفت حول ذلك الموضوع ان بعض المؤسسات الألمانية وعلى خلفية ما جرى في مجزرة شارلي ايبدو الفرنسية اقترحت على بلدان الاتحاد الأوروبي فرض ساعة من الموسيقى والفنون على التلاميذ المسلمين، في محاولة لانتشالهم من مستنقعات التطرف والعزلة، لكن الأمثلة التي ذكرت أعلاه وغيرها ربما تجعل تجربة الموسيقى بحد ذاتها ذات نتائج عكسية تماما.
التجارب السابقة أثبتت ان أحضان داعش أكثر دفئا من أحضان الموسيقى. علينا عدم الاكتفاء بالأجوبة الجاهزة، والقضية تحتاج لمراجعة وتأمل في أساليب الحركات الإرهابية التي تستدرج من خلالها نجوم الفن والغناء. تكرار التجربة مع الكثيرين تلزمنا مراجعة خطط وأساليب التنظيمات الإرهابية التي آتت أكلها مع شريحة من هذا النوع أكثر ما هو معروف انها "النرجسية".