رأي
تقديس السياسيين سمة بارزة في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين بعد 2003. اي جولة بسيطة في مواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ ذلك بقوة، وما عليك الا عندما ينصب مسؤول ما الا وتجد كتلا بشرية تؤيد ذلك المجهول تأييدا يقترب من مفهوم الولاء الى حد كبير.
ويبدو ان إسقاطات السياسة وتداعياتها أسهمت بشكل مباشر في خلق جماهير عريضة لقادة مجهولي التاريخ، وهذا بحد ذاته جزء من اسقاط المرحلة ايضا اذ لا يعرف معظم العراقيين تواريخ وسير قادتهم الجدد جيدا. ويبدو الآن ان الجميع منشغل في صنع هذا التاريخ والمنجز لا سيما في ظل الظروف الحالية للمواجهة بين داعش من جهة والدولة العراقية وتوابعها من جهة اخرى، وقبلها الاحتراب الطائفي الذي افرز حالة من التمسك والانتصار للطائفة ظالمة او مظلومة، وهو رد فعل طبيعي لغياب فعل الدولة وحضور فعل القطيع. فالمجتمع الشيعي حديث العهد بممارسة السياسة بشكل مباشر، ومعظم تقاليده السياسية جاءت نتيجة مناقلة من المرتكزات الدينية الى الأسس السياسية للأحزاب السياسية، وترسب من هذه المناقلة تحول ارث التقديس من رجل الدين الى السياسي، لذلك يتضامن الجمهور مع السياسي بسبب عنوانه الطائفي في وقت الطائفية، كما كان القومي في زمن القومية، وبالتأكيد الديمقراطي في زمن الديمقراطية.
ولا ننسى قبل أيام كيف اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام بحروب واهية، وانحازت الحشود للمنصب الذي عرف الشخص الذي كان نكرة ونسيا منسيا قبل تسنمه المنصب ذاك، فالسيد المالكي لم يكن معروفا الا في دوائر حزبه، وبمجرد ان أسند اليه المنصب التفت حوله حشود الجماهير الذي عرفته بالتضايف مع المنصب وقدسيته، وبعد مخاض تشكيل الحكومة شهدنا أشباه معارك بمجرد انتقاد الرجل الذي قدمه المنصب كبطل عقائدي، وكانت عبارة (تاج رأسك) تطلق، بحق وبغير حق، بمجرد مناقشة تداعيات الفعل السياسي لا الديني. والأمر ينطبق على مرحلة ما قبل المالكي وما بعده أيضا.
مشكلة الحشود تكمن بعدم قدرتها على التمييز بين الوظيفة السياسية والوظيفة الثقافية، فلا يفاجئنا ونحن نجد الآلاف من المنشورات هنا وهناك تنتقد أتكيت العبادي وهندامه متناسين أن السيد رئيس الوزراء إنما هو مجرد موظف عادي شأنه شأن بقية الموظفين في الدولة، وان عاداته الشخصية ليست مسألة أمة، إن هي إلا عادة تخصه هو.
هذه الحشود نفسها التي قدست السيد المالكي بوصفه رمزا عقائديا بالأمس؛ تريد اليوم للعبادي ان يؤدي الدور نفسه، وتحاول خلط العقائدي بالسياسي الذي من أولى نتائجه الوخيمة هو تقديس الأشخاص، وهذه هي مأساة الأمة الحقيقية، لا البنطلون ولا السترة، فلا تخربوا بيوتكم بأيديكم.