رأي
العراق يخوض منذ اكثر من عشر سنوات حربا اعلامية شعواء ضد الارهاب والجهات التي تدعمه او على الأقل تحاول توظيفه لصالحها بشكل او بآخر لكن على حسابنا جميعا. ورغم ان وسائل الاعلام في الخندق الآخر افواجا افواجا إلا ان هناك وسائل اعلام بأعداد لا بأس بها تدعم الجهد الوطني العراقي ايضا على هذا الصعيد. نعم وسائل الاعلام التي حرصت على الدفاع عن العراق وتوضيح الحقيقة قدمت جهدا لا يمكن ان ينكر، وبذلت جهدا بشكل او بآخر في هذا المجال، لكن ما لا يدعو للتفاؤل ان معظم وسائل الاعلام المساندة للجهد الوطني لا تجيد من الاعلام إلا مجال التعبئة الجماهيرية وتخفق كثيرا في مجال الحرب النفسية او معرفة الفنون والمهارات العميقة للإعلام.
نعم ربما جهود المراسلين الميدانيين أسهمت أحيانا بتوضيح ضبابية الصورة عما يحدث على أرض الواقع وتنفي حرب الشائعات التي تركز فليها داعش وحلفاؤها في مناسبات كثيرة، لكن الخطاب المباشر جدا والمبالغات المفرطة في التقدم الميداني أفقد الكثير من وسائل الاعلام مصداقيتها أمام المتلقي من عامة الناس فضلا عن المتابعين لمجريات الأحداث.
في مرحلة عصيبة، كالتي نمر بها الآن، لا نطالب كثيرا بالتركيز في الاخفاقات، خصوصا بالنسبة لوسائل الإعلام شبه الرسمية، لكن في المقابل من المعيب ان تبالغ كثيرا فيما تحققه على الأرض، بل احيانا تنقل الخبر معكوسا تماما وبطريقة مكشوفة، خصوصا وان عدوك له من الامكانيات الاعلامية ما يمكّنه من وضعك في زاوية حرجة، بل وتمرير الوقائع حتى وان تضمنت بعض المغالطات.
ان تتكرر هذه الاخفاقات اكثر من مرة يعني انك كشفت نفسك تماما للجميع، وخسرت المعركة اعلاميا، وانك بذلك تجبر وسائل الاعلام المحايدة الى حد ما على البحث عن مصادر أخرى أقرب للواقع. ان القوات المشتركة من الحشد الشعبي، والجيش والشرطة الاتحادية، تقوم بإنجازات كبيرة وملحوظة على الأرض، ولسنا بحاجة للمبالغات الصارخة في طرحها. كل ما يتحقق من تقدم على الأرض يأتي بتضحيات وجهود جبارة، ولذلك فإن جميع تلك التفاصيل تستحق الاهتمام، وتستحق الوقوف معها وقراءتها من زوايا مختلفة.
لا يجب ان نفوّت لحظات الانتصار مع اي خطوة الى الامام بسبب المبالغات المكشوفة التي تسوّق تحت ذريعة الحرب النفسية. هل تعلم بعض وسائل الاعلام ان هناك وسائل اعلام جادة تبذل جهدا كبيرا فقط من اجل ان تقنع الآخرين بان ما حصل على الارض هو انتصار حقيقي وليس اي شيء آخر؟! هل نرتقي فعلا نحن معشر الاعلاميين في أدائنا الاعلامي الى ما تبذله القوات الأمنية والحشد الشعبي من تضحيات ودماء في الميدان؟! تلك التضحيات تجبرنا على الارتقاء لمستوى التحدي وإلا فنحن أسهمنا بشكل او بآخر بالتقليل من شأن ما انجز حتى الآن.