رأي
الأجهزة الرقابية العراقية عديدة وأقدمها جهاز ديوان الرقابة المالية الذي تأسس وفق القانون رقم (17) لسنة 1927، وهيئة النزاهة التي تأسست عام 2004 بالقانون رقم (55)، وجهاز المفتشين العموميين الذي تشكل بالقانون رقم (57) لسنة 2004. وعمل كل هذه الأجهزة ينصب على حماية المال العام والحفاظ عليه ودعم مبدأ المساءلة العامة تعزيزا لاقتصاد البلد ورفاهية المجتمع العراقي.
وجود هذه الدوائر يبشر بخير!! لكن مشكلتنا هي موضوع تضارب المصالح فيما بين هذه الدوائر من ناحية، والضغوطات التي تسلطها عليها السلطة التنفيذية، وخاصة الحكومة، خوفا على مصالحها ومصالح أحزابها وقياداتها السياسية من ناحية اخرى. وحتى التشريعية إذ ان لجنة النزاهة البرلمانية التي يستوجب ممارسة رقابتها على الأجهزة الرقابية لاحظنا انها مارست التحقيق في بعض القضايا لأسباب عديدة في وقت يستوجب تكليفها الأجهزة الرقابية بما لديها من معلومات عن فساد جهة ما، لا ان تحل محل الأجهزة الرقابية تنفيذيا، وإلا ما الفائدة من وجود الأجهزة الرقابية؟
اضافة الى هذا وذاك هناك تشابك في صلاحيات الأجهزة الرقابية قانونيا، وبدون تحديد صلاحيات كل جهاز بشكل منضبط لا يسمح بالتدخل من جهة معينة في صلاحيات الجهة الأخرى بما يؤثر في النتائج ويفوت الغرض من العملية الرقابية عموما.
وندرج مثالا بسيطا على ذلك ما ورد في قانون ديوان الرقابة المالية رقم (31) لسنة 2011 وتعديله بالقانون رقم (104) لسنة 2012 الذي اضاف الى مهام الديوان الخاصة (بفحص وتدقيق الايرادات والنفقات العامة والالتزامات المالية كافة تخطيطا او جباية او انفاقا) أقول ان التعديل اضاف لمهام ديوان الرقابة المذكورة آنفا التحقيق في القضايا، وهنا تشتت المسؤولية، فالتحقيق في قضايا الفساد أسند لهيئة النزاهة وكذلك لدائرة المفتش العام وأخيرا لديوان الرقابة المالية، ولا نعلم من هي الجهة المختصة في حالة عرض قضية فساد معينة على هذه الدوائر الثلاثة؟
بعد ان علمنا شيئا عن الأجهزة الرقابية وبعض اشكالات عملها نود ان نعرف نبذة بسيطة عن تقارير الرقابة المالية التي تثبت بعد انتهاء اي عملية من عمليات الرقابة والتدقيق التي تذكر فيها بشكل مجمل اجراءات الديوان وما توصل اليه من معلومات وايضاحات ومخالفات او نقاط ضعف في العمليات المالية لوزارة او دائرة معينة، أقول ان تقارير الرقابة المالية على العموم هي تقارير مهنية مستندة الى قواعد قانونية ادارية حسابية ومالية وبصلاحيات كبيرة تسمح للمراقب والمدقق الاطلاع على كل صغيرة وكبيرة قامت بها الوزارات في العام السابق، ووفقا لذلك تشخص نقاط الضعف والمخالفات والخروج عن القوانين والأنظمة والتعليمات، مع العلم ان هذه التقارير ترسل وجوبا الى الجهات المعنية الوزارة / الوزير المختص او رئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة ويتابع الديوان تقاريره المرسلة حتى تزال الاشكالات او تحل نقاط الضعف.
قبل التغيير كانت تقارير الرقابة المالية وملاحظاتها وتشخيصاتها لمشاكل الوزارات يحلها فورا الوزير المختص خوفا من ما يسمى بمجلس قيادة الثورة الذي تصله نسخة من التقرير. أما الوزارة السيادية التي كان وزيرها من عائلة قادة الحكم آنذاك فاما تحفظ التقرير بعد الاطلاع او يصدر من الجهات العليا أمرا باستثناء تلك الوزارة او الدائرة من الرقابة، وهذا الأمر طبيعي ومناسب لحكم دكتاتوري يدعي قائده انه العراق وولي نعمته، اما اليوم في بلد الديمقراطية والانفتاح فنحن أمام نفس النتيجة؛ إن أخطأت دائرة صغيرة او موظف بسيط وذكر مخالفته بتقرير ديوان الرقابة المالية والعياذ بالله تتخذ ضده الإجراءات الجزائية والمدنية فيدفع قيمة ما أسند اليه من ضرر بخمسة أضعافه، ومن ثم تحرك ضده القضايا الجزائية ويحكم عليه كأي مجرم قاتل او سفاح!!! أما الوزارة التي يديرها وزير من الحزب الحاكم او إحدى دوائر رئاسة الجمهورية او مجلس الوزراء فلا تثريب عليهم اذ ان التقرير يحفظ حتى بدون الكتابة او التأشير عليه من قبل المسؤل المختص ويكتب الديوان كتبا للمرة الخامسة دون جواب يذكر.. وستطلعون أنتم، أدناه، على جزء يسير من هذه الجرائم التي سميت مبدئيا بالمخالفات والحكم لكم!!


