رأي

مجزرة الثرثار ستتكرر وهذه هي الأسباب:

مجزرة الثرثار ستتكرر وهذه هي الأسباب:

علاء اللامي

مجزرة الثرثار ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، والتمرد السلفي الانتحاري بقيادة داعش وزعمائه البعثيين الصداميين "السابقين"، لن ينتهي سريعا طالما بقي نظام حكم المحاصصة الطائفية الذي تهيمن عليه أحزاب الإسلام السياسي الشيعي المتحالفة مع الأحزاب القومية الكردية قائما.   هذه الخلاصة تكررت كثيرا، وسُفِكَ بسبب هذا النظام دم بشري غزير من جميع فئات الشعب وبخاصة من الجنوبيين العراقيين الذين يدفعون ثمن بقاء هذا النوع من الحكم وهذا النوع من الأحزاب رغما عنهم أو بسكوتهم وعدم رفضهم لهذا النظام الرجعي. من جهة أخرى، فهذا التمرد التكفيري المسلح لن ينتهي بالسيطرة على العراق والحكم فيه على المدى البعيد ولن يقيم دولة خلافة دموية وظلامية كما يبشر قادته لأن هذا المشروع يتناقض في الصميم مع روح العصر وطبيعة الظرف التاريخي العالمي أولا، ولأن العراقيين أو غالبيتهم سيثورون بفعل تكرار هذه المجازر إن عاجلا أو آجلا وسيطيحون بمصدر قوة هذا التمرد ألا وهو حكم المحاصصة الطائفية بهيمنة "الإسلام السياسي الشيعي" فهو النسغ الذي يغذيه ثانيا.   هزيمة التمرد التكفيري الداعشي ممكنة، ولكن على المدى البعيد زمنياً، وبشروط أولها إنهاء حكم المحاصصة الطائفية وإعادة النظر دستوريا بعلاقة الدين (وهو طائفي حتما في حالة العراق) بالسياسة والأحزاب السياسية، كما ينبغي ألا تكون هزيمة داعش هزيمة مباشرة أو غير مباشرة للمكون الطائفي الذي تحسب عليه داعش حقا أو باطلا، شكلا أو جوهرا، وهو ما تحاول قوى إقليمية وغربية التسبب به.   كما أن غياب القطب والمشروع الوطني الديموقراطي العراقي سيؤخر هزيمة التمرد المسلح الداعشي وحكم المحاصصة الطائفية الذي يطيل من عمر هذا التمرد، وتحديدا بعد أن تحول ما تبقى من الحركة الوطنية الديموقراطية واليسارية العراقية ذات الأمجاد إلى مجرد ذيل بائس ودكان مناسباتي لأحزاب ونظام حكم المحاصصة وخصوصا لتحالف الأحزاب القومية الكردية بعد أن هيمنت عليه شخصيات وزمر مشبوهة وذات علاقات معلنة بأعداء العراق التاريخيين.   مجزرة الثرثار، حلقة من سلسلة مشؤومة وإجرامية، ستكرر للأسف والفجيعة، وسيتحمل مسؤولية دماء الأسرى وغير الأسرى الطاهرة التي يسفكها المجرمون التكفيريون فيها وفي غيرها كلُّ من صفق لاحتلال العراق ولنظام الحكم الذي جاء به هذا الاحتلال، وكلُّ من سكت أو اتخذ موقف الحياد في مواجهة التمرد الداعشي بحجة الاقصاء والتهميش فالمطلوب بعد اليوم ليس "إعادة توازن طائفي في الحكم" ولا "تكبير حصة هذه الطائفة على حساب تلك"، بل المطلوب هو كنس نظام المحاصصة ودولة المكونات ودستورها وإقامة نظام المساواة والمواطنة لحقن دماء العراقيين ودفن التمرد التكفيري المسلح إلى الأبد.   كل من يدافع عن نظام المحاصصة بعد الآن، وكلُّ من يسكت أو يهادن داعش، هو يعمل على سفك دماء شبابنا وإطالة عمر التمرد التكفيري ويمهد لمجزرة الثرثار في نسخ أخرى قادمة!   هل يوجد استهتار وعدم احترام من قبل الحكومة والبرلمان والرئاسات الثلاث للرأي العراقي العام وللشعب برمته أكثر من هذا؟ منذ يوم الجمعة الماضي ضجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل بأخبار المجزرة الفظيعة التي ارتكبتها عصابات داعش في الثرثار وأكدت تلك الأخبار جهات رسمية منها إدارة محافظة الأنبار واحتجت قيادة الحشد الشعبي وحملت رئيس الوزراء مسؤوليتها، ولكن الناطق الرسمي باسم القيادة العسكرية المشتركة ومصدر أمني آخر رفض التصريح باسمه (ليس خوفا من الحسد بكل تأكيد) نفيا حدوث مجزرة وكررا أن تلك الأخبار ما هي إلا شائعات تستهدف الروح المعنوية للجيش والشعب... المصدر الأمني الغفل أكد مقتل وإصابة وفقدان 44 عسكريا بضمنهم قائد فرقة وآمر لواء ولكنه كرر معزوفة "لم تحدث مجزرة" فيا للهول ويا للاستهتار!.. رئيس الوزراء العبادي ورئيس البرلمان الجبوري ومسؤولون كثر آخرون تعاقبوا يوم أمس على منصة الخطابة في حفل تأبين باقر الحكيم، ولم يذكروا شيئا عن هذه المجزرة لا بالنفي ولا بالتأكيد.   44 قتيلا وجريحا ومفقودا بينهم قادة يعترف المصدر بهم ولكنه يتهم من يتحدث عن مجزرة وعن أرقام أكبر بأنه مهول ومطلق شائعات!.. طيب، لماذا لم يبادر وزير الدفاع أو رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة لإصدار بيان أو الظهور شخصيا في مؤتمر صحافي مباشر وعاجل كما يحدث في الدول التي تحترم شعوبها ويقدم المعلومات والوقائع عما حدث بشكل رسمي وشفاف؟ الحكومة ودولة المحاصصة الطائفية تستحق كل ما قاله العراقيون بحقها من عبارات سخرية وشتائم غير أن السخرية والشتائم والنقد العنيف لم تعد تكفي لوقف النزيف المريع وتفادي المزيد من المجازر.. المطلوب الآن هو إسقاط هذا النظام ومؤسساته وسلطاته الثلاث ففي كل تجارب الشعوب تكون السخرية والنقد هما المقدمة الطبيعية لإسقاط الحكام إلا عندنا في أرض السواد والمجازر، فهي تكون تمهيدا لإعادة انتخاب المتسببين بالكوارث لأربع سنوات أخرى في لعبة دموية فاسدة وشريرة!   اللعب بأعصاب الناس صار مهنة من لا مهنة له: خلال ساعات معدودة أعلنت حكومة العبادي عن اجتماع الرئاسات الثلاث لمناقشة جملة أمور منها ما دعاه الناطق باسم الحكومة "ما حدث في ناظم تقسيم الثرثار" وعقد وزير الدفاع وقائد القوة الجوية مؤتمرا صحفيا أعلنا فيه تفاصيل بعض ما حدث وأكدا ما سبق وأعلن بالقطارة وعلى ألسنة مجهولين ونكرات لا يصرحون بأسمائهم عن أن عدد قتلى المجزرة أقل من 140 بكثير وأن عملية إنزال جوي بخمس طائرات عمودية أنقذت سبعة أو ثمانية مقاتلين من الجيش والحشد وأن وأن... الخ.   كل هذه التفاصيل، وبغض النظر عن أن رقما حقيقيا ومتفقا عليه للشهداء لم يصدر حتى الآن، وهذا ما أكده أحد المقاتلين الذين تم إخلاؤهم من ميدان المعركة، ليست كافية، وأن الأسئلة الحارقة والمقلقة تظل قائمة: لماذا هذا التأخير في الإعلان عن التفاصيل بل والإعلان لاحقا عن جزء منها؟ لماذا التهجم والنقد والتشويه لمواقف وتساؤلات الناس القلقين على مصير أفراد القطعة العسكرية المعنية بالحدث؟ لماذا هذا الصمت الذي دام يومين طويلين ثم هذا السيل من الانفتاح على الرأي العام؟ متى سيجرؤ المسؤولون العسكريون والسياسيون على التخلى عن كسلهم وبطرهم وعدم اهتمامهم وعدم احترامهم للناس؟ هل ينبغي على الناشطين في مواقع التواصل والمدونين ووكالات الأنباء المستقلة أن تخرس وتسكت طويلا بانتظار لحظة الفرج التي سيتكرم بها المسؤول متى عنَّ له أن يمن بها؟ أم أن هؤلاء المسؤولين لا يتحركون إلا بالقامجي الفيسبوكي؟ ثم ما هذه الهستيريا والسخاء في توجيه التهم والتشكيكات والغمز واللمز لمن تساءلوا وانتقدوا الصمت الحكومي على الأنباء المفزعة التي انتشرت حول تلك الأحداث؟   إن محاولة الوسط الحكومي التخلص من الإحراج وتبسيط الحادثة هي محاولة فاشلة لأنها تأخرت كثيرا، ولم تأتِ - حين أتت - كاملة ومطمئة بل ينقصها الكثير من التفاصيل.. كفاكم بلادة وكسلا ولعبا بأعصاب الناس يا مسؤولي السياسة والأمن، كفاكم تنبلة واسترخاء واستهتارا فدماء العراقيين ليست رخيصة إلى هذا الحد وأرواح أبنائهم أغلى من النياشين والرتب البائسة التي تلصقونها على أكتافكم.   إن الأمر لا يتعلق بمعاملة جواز سفر أو تقاعد لتتعاملوا معه بتثاؤب وبطء ولعثمة وبالقطارة بل بأرواح مقاتلين يحمون هذا البلد وشعبه ويحمونكم أنتم في أبراجكم العاجية.   شخصيا لن أعتذر لأحد أو جهة رسمية منكم على ما كتبت بهذا الخصوص أمس واليوم وسأشارك مستقبلا في أية عملية تنغيص عليكم وسأقض مضاجعكم مع الشرفاء من حملة الأقلام النظيفة (تاركين لكم التمتع بكتابات حملة المباخر) كلما تناهى لعلمنا خبر مجزرة أو انتكاسة او تفريط، لأننا ببساطة لم نعد نثق بكم ولا قلامة ظفر، ولا بمؤسساتكم الحكومية المترهلة، ثم أن هروعكم مذعورين إلى الاجتماعات والمؤتمرات الصحافية قبل ساعات أعطانا الحق والعذر والدافع في مواصلة هذه الطريقة في معرفة الحقيقة ودفعكم للقيام بواجباتكم طالما أن دفعكم حاليا إلى مزبلة التاريخ صعب ولم تنضج ظروفه تماما بعد!   علاء اللامي: كاتب عراقي  

مقالات أخرى للكاتب