رأي
المتابعون للشأن العراقي برمته، ونتيجة لتعاطيهم اليومي مع مختلف الاحداث السياسية والامنية، باتوا على دراية تامة بأساليب والاعيب السياسي والمسؤول العراقي، بحيث لم تعد تنطلي أيّ حيلة يمارسها المسؤول حتى على المواطن البسيط، وذلك لكثرة ما استخدم من حيل بحيث استنفد السياسي رصيده من المماطلات من جهة وارتفع سقف الدراية عند المواطن العراقي بهذا النوع من الاساليب من جهة اخرى!
واحدة من الأساليب المكشوفة التي يمارسها الساسة واصحاب القرار هي تسفيه الكوارث والتقليل المتعمد من شأنها لكي لا تثير الرأي العام، وذلك من خلال تقليل حجم الخسائر خصوصا عبر حذف الأصفار الواقعة الى جهة اليمين مهما تعددت.
مجزرة سبايكر التي حدثت في حزيران الماضي وذهب ضحيتها حوالي 1700 جندي عراقي اتذكر ويتذكر غيري انه وبعد اسبوع على الحادث عقد رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي مؤتمرا صحفيا ليعلن ان عدد ضحايا تلك المجزرة هم حوالي 170 شخصا فقط! المالكي استهدف ذلك الصفر ليتجاهل متعمدا اكثر من 1530 ضحية تحت ذريعة الحفاظ على المعنويات وعدم الانجرار للحرب النفسية التي يقودها داعش! وكم حينها بذل المخلصون من الجهود في الشارع العراقي وفي وسائل الاعلام لكي يرسخوا تلك الحقيقة ويضعوا النقاط على الحروف من اجل عدم تمرير تلك الجريمة كما اراد الساسة والقيادات الامنية لأسباب واهية!
حكومة العبادي لم تكن افضل حالا من حكومة المالكي في هذا الصدد، فتعاملت مع مجزرة الصقلاوية التي حصلت في ايلول الماضي بذات البرود وبردة فعل لا تتجاوز عقدة الأصفار! المؤسف والمؤلم ان حكومة العبادي وبعد كل هذا التهويل والتمجيد الذي لاقته من قبل النخبة المثقفة، الاعلاميين والاطراف المؤثرة في الشأن العراقي ما زالت تمارس ذات الاساليب العقيمة بل ترسخها بسقف مرتفع من اللامبالاة تجاه الضحايا، وكأن الجندي العراقي كتب عليه ان لا يكون الا صفرا على الشمال في حسابات الساسة وكبار المراتب.
مجزرة كبيرة حصلت لعشرات الجنود في ناظم تقسيم الثرثار يوم 24 نيسان عام 2015 بعد ايام من المناشدات بضرورة وصول الاسناد قبل نفاد الذخيرة، وفي نهاية المطاف استشهد اكثر من 140 جنديا، لكن هؤلاء الضحايا في حسابات رئاسة الوزراء، كما اعلن في بيان صحفي عن رئاسة الوزراء، وفي حسابات وزير الدفاع، كما جاء في مؤتمره الصحفي، لا يتجاوزون 13 جنديا!
هذه المرة لم يكتفوا بحذف الصفر بل الحقوا معه رقما من مرتبة العشرات لكي يصبح الرقم هزيلا جدا بالقياس لما يجري في العراق! لقد تلخص دور الحكومة العراقية ومسؤولياتها في حذف الاصفار وتقليل الارقام وبذلك تصبح المجازر والكوارث مجرد ارقام صغيرة لا ترتقي ابدا لمستوى مجزرة! هكذا هم ساستنا يتطيرون من الارقام الواقعة على اليمين فيسارعون لحذفها او رميها الى اليسار!