رأي

لماذا يجب أن نكره الشعر الشعبي؟

لماذا يجب أن نكره الشعر الشعبي؟

جاسم بديوي

يخاطب الشعر الشعبي الانفعال والعاطفة ويغذي الحماس. يسلب إيقاعه الوجدان ويغشي عملية التفكير. وللشعر عموماً تاريخ تبجيلي منبثق من قدسية اللغة وتمجيدها، لذا أي كلام يدخل في نسق الشعر يكون قد امتلك حصانة البلاغة وقنواتها التي هيمنت على أنظمة الخطاب الثقافي باعتبارها أنساقا عليا للثقافة تأخذ الجماهير من دون تمحيص ونقد وتشريح ما يختبئ تحت جلودها المزركشة بألوان جماليات الصورة والاستعارة والتشبيهات والمجاز.   في العراق تتداول الغالبية العظمى من المجتمعات الشعر الشعبي لأسباب منها ضعف التعليم ونهاية موضة القومية العربية التي أساءت للمجتمعات إبان صعودها السياسي، فضلا عن سرعة انتشارها استنادا إلى تاريخها الشفاهي الذي حاول المعارضون السياسيون يساريون ويمينيون ركوب موجته لإيصال مبادئهم وعقائدهم عبر امتطاء صهوته، كونه لا يناقش تلك العقائد بقدر ما يعبئ ويضخ في الجماهير دفق الحماسة.   هذا النوع من القصائد يحفز الانفعال ويضر بالتفكير، والحقيقة الوظيفية التي يلزمها الشعر هو تحريض الفكر والدعوة للكشف، وتغيير العالم عبر خلق عالم بديل، وهذا ما لم تقدمه الأهازيج الشعبية التي لا تخفي تضامنها مع القيم السائدة كما أنها تعمق من قيم الفحولة والعشيرة والبطولة على حساب أن يكون لغة من لا لغة له ولسان من لا لسان له، أو أنه المستحيل التفكير فيه، والسابق لما سوف يقال، والمتطلع إلى المجهول، والكاشف لما هو مستور.   لقد أعاد صدام حسين للشعر الشعبي بريقه في حرب الثماني سنوات مع إيران لخداع البسطاء بإيقاعات الشعر الشعبي وقيمه، كالهدة والنخوة والبطولة والدفاع عن الشرف، ودفع العراقيون ثمنا غاليا جراء هذا الشعر المشترك بالجريمة، حاله حال شعر مطبلي الفصحى الذين لم يدخروا جهدا لبث سموم ونعرات القبيلة الجاهلية لتقديم الحرب على أنها حرب أهم من المحترقين بنيرانها، لكن الشعر الشعبي كان أشد وطأة وساعدته بذلك فنون أخرى لكي يجري تقديم أغانٍ تمجد المحرقة.   الشعراء، ولا سيما الشعبيون، اليوم لا يقدمون شيئا، وهم مغرورون وكسالى، والكثير منهم يؤسسون للتفاهة الاجتماعية، إذ بمجرد كتابة قصيدة لا يعني أنك حسنت حياة مواطنيك، هذا إن لم تقتلهم بسموم قيمك البالية، وعلى الشباب المغرر بهم الابتعاد قدر الإمكان من الاشتراك باللعبة البلاغية واللجوء إلى التفكير العلمي الجاد، فهو الوحيد اليوم من يستطيع تغيير الحال إلى الأفضل، لأن مهزلة الشعر الشعبي مستمرة في وظيفتها القديمة وهي تقديم القرابين إلى آلهة الطاغوت.  

مقالات أخرى للكاتب