رأي

ذهنية النشال

ذهنية النشال

سلوى زكو

إثر انهيار النظام الاشتراكي في روسيا، عصفت بالبلاد موجة فساد غير مسبوقة، قادها عدد من حيتان المال والبزنس، تحرسهم وتحرس مصالحهم عصابات مسلحة تقتل من يقف بوجهها وتقتتل فيما بينها. كانت موسكو قد اصبحت مكانا خطرا للعيش، وما إن يحل الظلام حتى تخلو الشوارع من المارة ولا تسمع غير اصوات الرصاص المتبادل بين اطراف تتصارع على مغانم بلاد دخلت في فراغ سياسي مفزع. مشهد مشابه لما جرى في العراق بعد إسقاط الدولة في 2003، إذ تناسلت الحيتان وتقاتل حراسها المسلحون من اجل المغانم ومواقع النفوذ.   وعندما جاء بوتين ليقص اجنحة الحيتان، اختفت عصابات الجريمة المنظمة، واصبحت المدينة آمنة. تحولت روسيا الاشتراكية الى روسيا الرأسمالية، ووضعت قواعد اللعبة كي يقنن الفساد ويوضع تحت السيطرة. كان قد اطيح بكل منجزات النظام الاشتراكي ودفع بالملايين من السكان الى خط الفقر، فيما تحول ملوك الفساد الى ادارة امبراطوريات اقتصادية كبرى.   شاهدت يوما شريط فيديو لبوتين وهو يلتقي في بدايات حكمه بعدد من رجال الاعمال الذين استغلوا فرصة غياب سطوة الدولة ليستولوا على جزء من الكعكة التي لا صاحب لها، لإجبارهم على توقيع تنازلات عن عقود فساد مع الدولة. لم يبين الشريط تفاصيل الحوار الذي دار، انما اكتفى بلقطة اخيرة قال فيها بوتين كلمة واحدة "وقعوا"، واخذ الجالسون يوقعون بصمت أوراقا وضعت أمامهم. وعندما تحجج احدهم بأنه لا يحمل قلما أعاره بوتين قلمه وهو يقول له "لا تضع القلم في جيبك بل أعده لي".   والفساد أنواع، بعضه يمتلك شطارة كبار اللصوص فيبني لنفسه امبراطوريات اقتصادية لا يسهل هدمها بتوقيع في جلسة. وبعضه الآخر غبي يشبه في تفاهة طموحاته وتطلعاته النشال الذي يعتاش على النشل اليومي لمحافظ الرجال وحقائب السيدات.   وما هو موجود لدينا ينتمي الى الصنف الاخير، اذ لم يتحول اللص الى رجل اعمال او مؤسس لمشروعات اقتصادية. ولأننا اصبحنا نعرف اسماء معظم حيتان الفساد، لم ينجح اي منهم في بناء طابوقة واحدة في الاقتصاد. والغريب ان كثيرا منهم حتى لم يبن قصره الخاص انما اكتفى بالاستيلاء على عقارات الدولة ووضع اليد على قصور رجال النظام السابق. وظلت كل شطارتهم تتمثل في الاستيلاء على عقود وهمية من الدولة وتهريب حقائب المال الى دول الجوار.   من محاسن الصدف ان حيتان العراق تعيش بذهنية النشال الذي يسعى كل يوم للاسترزاق في باصات النقل العام والأماكن المزدحمة ولا يعرف غير سرقة المحافظ من الجيوب. لم يؤسس هؤلاء لأنفسهم امبراطوريات اقتصادية ترسخ جذورها في ارض العراق. ومن محاسن الصدف ايضا، ان طموحاتهم لا تتعدى انوفهم، ولم يعرفوا معنى للاستثمار في كل المليارات التي نهبوها من جيوبنا. ومن محاسن الصدف ايضا ان جيب الدولة اصبح خاويا وما عاد هناك مال يستقطب النشالين.  

مقالات أخرى للكاتب