رأي
مرت ذكرى عيد العمال العالمي في ظروف عالمية واقليمية ومحلية مرتبكة جدا وحروب إقليمية تلهي المجتمعات عن اشادة بناها التحتية وبناء نظام اجتماعي سليم خال من الامراض الاجتماعية، وهذا ما جرى ويجري في العراق اليوم، وبعد مرور اثني عشر عاما على تغيير النظام الدكتاتوري المقبور ما زال المجتمع العراقي يعاني الأمرين من اقتصاد متأرجح، وأمن مفقود، وصناعة شبه مشلولة، ومراكز سلطوية متعددة الحزب وغير متفقة، ومليشيات متعددة، وجيش مبتلى بحرب عصابات عمقعها أسمن دول العالم واغناها، ووزارات أغرق معظمها الفساد وأضعفتها الطائفية، وفوق هذا وذاك بقيادة وزراء مختارين لا على اساس مهني او وفق مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب وانما على اساس المحاصصة والاخلاص لمبادئ الحزب والعملية السياسية.
وحتى نكون اقرب الى الواقع نتطرق لواقع عملي ألا وهو وزير العمل والشؤون الاجتماعية، فهو رجل ذو ماضٍ مشرف من عائلة مضحية خريج بكالوريوس زراعة، وله خبرة في المجال الزراعي إلا ان العجيب الغريب انه اختير وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية، فما علاقة الزراعة بالعمل؟ هذا الرجل لو كان قد عين وزيرا للزراعة لكان ابدع وانتج وطور، ولكان الرجل المناسب في المكان المناسب. أما في وزارة العمل التي هي بوابة لبحر من العقد الاجتماعية في العراق عراق الملايين من الايتام والارامل والمسنين ومعوقي الحروب.. عراق الملايين من الأميين والمتسربين من المدارس والعاطلين عن العمل. اضف الى ما تقدم اصبح عراق الملايين من المهجرين والمهاجرين. بربكم ماذا سيفعل هذا الرجل اكثر من اهتمامه بعملية الحماية الاجتماعية وتوزيع موارد الكفاف لبعض العوائل التي لا تمتلك اي مورد؟ وحتى هذه العملية محدودة بحسب لقاءات السيد الوزير، فهناك خلل اصاب عملية شمول العوائل المحتاجة للرعاية الاجتماعية بسبب المعلومات غير الصحيحة التي قدمها للوزارة طالبو الاعانة واكثرهم من النساء!!
لا يفوتنا ان نذكر ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الكثير من الدول المتقدمة تعتبر من الوزارات المركبة، اي انها ذات هياكل عديدة كل هيكل فيها يعادل وزارة، وإلا كيف اعتبرت انها وزارة تنمية الموارد البشرية التي تهتم ببناء كادر بشري مهني واعٍ مثقف؟ وكيف اعتبرت وعاء للضواهر الاجتماعية؟ وخزينا احصائيا تستند اليه الدولة في وضع خططها التنموية، ومراقبا للبيئة، بل كيف اعتبرت وزارة العمل بارومترا لظاهرة البطالة وسبل تقليصها وبالتالي القضاء عليها؟ ومخبرا - بفتح الباء - للمنظمات والجمعيات والاحزاب الخيرية غير الربحية والاحزاب السياسية.
من كل ما تقدم نعرف مدى اهمية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ونعلم لماذا بقي وضعنا الاجتماعي على ما هو عليه، لا بل نعلم اسباب التراجع في الوضع الاجتماعي العراقي، مع العلم ان الاهتمام بالوزارة في العراق من عام 1939 وحتى الآن، ولها ميزانيات سنوية. أشيروني لمركز اجتماعي واحد مرموق في البلد من حيث البناية والادارة وتأريخ المنجزات، او دار ايتام واحدة مرموقة من حيث البناية والكادر والبرامج والتأريخ، بل وحتى معهد التدريب المهني الذي أسس بالسبعينات وفق متطلبات عالمية تراجع ولا نسمع عن نشاطاته شيئا يذكر.
اللوم لا يقع على الجهات التنفيذية في الوزارة فحسب، وانما على سياسة الدولة حيث لم تصدر الجهات التشريعية في الدولة ومنذ عام 1987 قانون عمل شاملا يحتوي على كل متطلبات اتفاقيات العمل الدولية التي وقع عليها العراق، وهناك مبدأ قانوني دولي يوجب على الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية ازالة كل نص داخلي يتعارض مع النصوص الدولية المصادق عليها.
ان تشريع قانون عمل لا يشمل بابا خاصا بالعمل النقابي، وهو حق طبيعي للعمال كفلته منظمات العمل الدولية والعربية والاتفاقيات والاعراف الدولية، ما هو إلا قانون اعرج مخالف لطبيعة العمل، لا بل هو مظهر من مظاهر الديكتاتوريات البالية ومشهد يؤثر تأثيرا بالغا في سمعة العراق الدولية.
ان تنظيم العملية الانتاجية في المعامل والشركات والمؤسسات الانتاجية يتطلب تشريع قانون جامع مانع لكل ما يطرحه العمل من متطلبات وحاجات العمل، ومنها وضع نصوص لعمل المرأة والأحداث، ونصوص تحدد عمل استخدام الأجانب ونسبة العمالة الاجنبية بالبلد حماية لسوق العمل العراقي، اضافة لنصوص تعليمات العمل ومخاطره واصاباته واجازات العمل المدفوعة والمضمونة، ومواد تخص السلامة المهنية والحالة الصحية للعمال داخل مجمعات العمل، اضافة الى بنود تخص العمل الليلي ومتطلباته، والعمل في المواد الكيمياوية والحرارية الخطرة.
أما اختزال قانون العمل بوجه واحد وغير مكتمل من وجوه العمل الاجتماعي ألا وهو الحماية الاجتماعية، وبطريقة عشوائية غير مبنية على أسس علمية، فما هو إلا عملية قاصرة لحقت وستلحق الأذى بمجمل العملية السياسية في البلد.