رأي
ثمة سؤال مركزي لم تُحسم الإجابة عنه حتى الساعة عند المهتمين بشؤون الإرهاب والتطرف بعد سيطرة تنظيم داعش على مساحات شاسعة في سورية والعراق، وهذا السؤال يتمثل في المنطلقات الأساسية لنشوء تنظيم داعش الإرهابي. أيشكل استكمالا لموجة التوحش التي كانت منهجا لتنظيم القاعدة أم هو انقلاب عليه؟ ويميل أكثر الخبراء إلى أنه يمثل مروقا وتمردا على التنظيم العالمي من زوايا ثلاث هي الحروب التي خاضها التنظيم ضد القاعدة لا سيما في سورية والجدل وكلام الظواهري الذي يشير صراحة إلى انسلاخهم من مشروع القاعدة. فضلا عن فرض بيعة التنظيم على جميع الفصائل الأخرى وتبني شكل الدولة كخيار أولي ومن ثم رفع شعار الخلافة؛ 0هذه النقاط وربما هناك نقاط أخرى عززت القناعة بأن داعش يشكل تخريبا لمشروع القاعدة في العراق وسورية على أقل تقدير.
ولكن المتتبع في إستراتيجيات عمل التنظيمات تلك يجد أن تشكيل الدولة سواء أكانت على صعيد محلي أو الدولة العالمية المتمثلة بفكرة الخلافة العالمية ، هو حلم لمعظم تلك التيارات ذات الأصولية السلفية على وجه الخصوص. كما أن كتاب (إدارة التوحش) الشهير والمنسوب لأبي بكر ناجي كونه المرجع الفكري لكل الحركات (الجهادية) يتحدث صراحة عن موجة ثالثة في ديالكتيك العمل المتطرف، وهي مرحلة التمكين وتعني قيام الدولة، والتي تسبق مرحلتي شوكة النكاية والإنهاك والتوحش، ما يجعل حلم الدولة نفسه كان قد راود القاعديين أنفسهم قبل حين.
ولعل مبعث الخلاف الدموي بين التنظيمين هو سرقة ذلك الحلم على حين غرة ما أدى إلى اختلال الحسابات وصعود نجم تنظيم داعش الذي تسيطر عليه ذهنيات ضباط الأمن الذي عملوا بدولة البعث في زمن نظام صدام حسين والذين أخذوا زمام المبادرة وخطفوا الزعامة من تنظيم القاعدة بعد مقتل الزرقاوي مؤسسها وزعيمها في العراق الذي كان هو الآخر يدعو إلى تبني خيار الدولة مع بيعته لابن لادن.
وعلى أي حال تدعي الفصائل المسلحة غير المنتمية إلى داعش أنها تعرضت للخداع إبّان فترة التصعيد السني في ما كان يعرف بـ(تظاهرات ساحات الكرامة) في مناطقها بعد استغلال داعش لتعاطف الجمهور السني ضد الحكومة في بغداد وبسط نفوذه ومن ثم السيطرة على الموصل وأجزاء أخرى في العراق، ثم انقلابه على هذا الجمهور نفسه بفرضه البيعة بالقوة ودخوله في مواجهات بتلك المناطق مع تنظيمات ظنت أنها ستكون ركنا أساسيا في دولة داعش، لكنها اصطدمت بتخيير داعش لها بين البيعة أو الموت. فمن خدع من؟