رأي

مسكوكاتنا الذهبية في قلب البلطيق

مسكوكاتنا الذهبية في قلب البلطيق

جمال الخرسان

في متحف "فورنسالن" بجزيرة غوتلاند وسط بحر البلطيق شمالي اوروبا هناك من المسكوكات الذهبية والفضية التي تعود للعصر العباسي ما يتجاوز ربما جميع المسكوكات التي تحتضنها متاحف العراق بأجمعها!   عام 2008 لوحده تم العثور على 470 مسكوكة نقدية عربية، وقبلها تم العثور على المئات منها في مختلف زوايا الجزيرة التاريخية. والسبب في وجود ذلك الكم الهائل من المسكوكات الاسلامية هناك وفقا للمؤرخين يعود الى التعاون التجاري الوثيق بين الاسكندنافيين وخصوصا الفايكينغ والعاصمة العباسية بغداد.   لقد انتشرت رقعة الفايكينغ في مناطق مهمة من اوروبا ابتداء من القرن التاسع للميلاد وحتى منتصف القرن الحادي عشر. وصلت قوافلهم التجارية الى بغداد عبر بحر قزوين، وقيل انهم تركوا سفنهم هناك وامتطوا الجمال الى العاصمة العباسية المهيبة.   وهناك من يعتقد أنهم وصلوا عن طريق دجلة. كانوا شغوفين جدا بتلك الحاضرة الاقتصادية والعلمية، يأتونها بعد عناء طويل من اجل أن يستبدلوا ما يجلبون معهم من جلود، وفراء، وكهرمان بما يحتاجون من بضائع، إضافة الى ذلك فإنهم كانوا يبيعون في بغداد أيضا الجواري الحسان والغلمان من الاسكندنافيين الشقر.   يعتقد المختصون بتاريخ الفايكينغ ان سكان الجزيرة في نهاية الألفية الأولى للميلاد كانوا يفضّلون التعامل التجاري بالمسكوكات العباسية. تلك الجزيرة السويدية الساحرة التي تسترخي وسط البلطيق كانت في يوم من الأيام موقعا استراتيجيا تجاريا يقصده الجميع في بلدان الشمال، وكانت ميناء حيويا لمختلف السفن التجارية بين بلدان البلطيق، وحتى من خارجها، وأيضا لأنها وسط البلطيق فإنها تعتبر ملتقى ثقافيا فنيا حيويا جدا، ولهذا قصدها الكثيرون من مختلف الفئات الاجتماعية، وكل من يمر هناك لا يترك الجزيرة دون ان يلقي نظرة على متحفها الشهير الذي أكثر ما يميزه هذا الكم الهائل من المسكوكات الذهبية والفضية.   الجميل انه وثقت تفاصيل تلك المسكوكات بشكل دقيق ووضحت مواطنها الاصلية. حفظ الغوتلانديون هيبتنا التاريخية وقدموها للجميع بحلة غاية في الاناقة والاختصاص. محبة من القلب لكل من ساهم ببقاء هذه الكنوز الثمينة، خير لها ولنا ان تسترخي هناك بهوية واضحة وافضل بكثير من ان تكون في منابعها الاصلية ولكن في اياد عبثية وغير أمينة.  

مقالات أخرى للكاتب