رأي
استعرت الحرب الكلامية فجأة بين بغداد وواشنطن بشأن جاهزية القوات العسكرية العراقية لمعركة الأنبار، هكذا ومن دون سابق إنذار وجد رئيس الوزراء العبادي نفسه في إحراج كبير أمام تصريحات وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر، والتي أدلى بها السبت الماضي، لقناة الـCNN، وكان مفادها أن "القوات العراقية قد أظهرت ميلاً واضحاً لعدم قتال تنظيم "داعش".
الأمر الذي جعل رئيس الوزراء العراقي يسارع بالرد قائلا، إن "كارتر استند على معلومات مظللّة تماماً"، الا أن نائب الرئيس الأميركي بايدن وبدبلوماسيته المعهودة لم يترك الأمر ليتطور وسارع للاتصال بالعبادي محاولا إطفاء تلك الحرب الكلامية التي ربما كان مقدرا لها أن تستمر طويلا لو لم تنته عند هذا الحد، فثمن تضحيات الجيش العراقي على مدى الشهور الماضية.
وما إن هدأت زوبعة التصريحات تلك، حتى عادت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لتؤكد صحة كلام وزيرها المثير، بالقول إن "سقوط الرمادي بيد "داعش" يعود لمشكلة في انخفاض الروح المعنوية داخل صفوف القوات وفي هيكلية القيادة”.
آراء البنتاغون ووزيره الحالي، تضعنا وجها لوجه أمام مشكلة حقيقية بدأها البنتاغون نفسه، حينما أمسك بالملف العراقي إبان الاجتياح الأميركي للعراق، وأصدر أكثر القرارات خطأً في تاريخه بحل الجيش العراقي، كما أنه بماذا سيبرر إخفاق الجيش الأميركي في تطهير الفلوجة على الرغم من قدرته العسكرية الهائلة.
كان على البنتاغون وقبل أن ينتقد قدرات الجيش العراقي الحالي، مراجعة سلسلة أخطائه التي ارتكبها في العراق، بدءا من قرار حل الجيش، وليس انتهاءً بملفي التسليح والتدريب اللذين يحملان أكثر من علامة استفهام.
وإذا كان مسؤولو البنتاغون قد أظهروا إحباطا وصدمة من قدرات الجيش العراقي كان الاولى بهم أن يعرفوا أن تدريب أفراد أو قطعات لأيام أو شهور، لم ولن يكون كافيا من دون رعاية تستمر لفترة طويلة، قد تصل الى عقد أو أكثر، من أجل استكمال التجهيز والبناء العسكري والمعنوي، واكتساب العقيدة القتالية المطلوبة في مثل هكذا نزاعات، فما الذي ينتظره البنتاغون بعد أن أدار ظهره للعراق لأكثر من عامين (في عهد المالكي)، وكيف للقوات العراقية أن تكون واثقة من نفسها في حربها ضد أخطر تنظيم على الأرض، إن لم تكن واثقة من قدراتها القتالية المتمثلة بالسلاح المتطور وهو غير متوفر.
طبعا هذا لا يعفي قادة الجيش العراقي والألوية والضباط من مسؤولية الاخفاقات المتكررة بسبب استشراء الفساد، وسوء التخطيط، وعيب الادارة، وهذا كله كان جليا في سقوط الرمادي بيد "داعش"، إذ ليس من الصحيح عسكريا ومهنيا –على سبيل المثال- أن يتم الابقاء على قطعات عسكرية معينة أكثر من 4 او 5 شهور في مكان واحد، فهو أمر في غاية الخطورة، كونه سيدجن تلك القطعات ويشعرها بالاسترخاء والفتور والملل.
البنتاغون لم يكتف بذلك، وإنما انتقد أيضا وعلى لسان المتحدث باسمه ستيفن وارن، اسم المعركة التي أطلق عليها "لبيك ياحسين"، كون ذلك الشعار ينطوي على مدلولات طائفية.
ربما يكون الأمر في ظاهره صحيحا، فنحن كعراقيين نتمنى أن نحظى بجيش وطني نظامي قادر على درء الخطر، من دون الحاجة الى شعارات دينية او مذهبية تستنهض عزيمته، الا أن البنتاغون مرة أخرى يقع في خطأ التقديرات، فمواجهة جماعات عقائدية مثل داعش والقاعدة، لا يمكن من دون عقيدة مضادة، ومع عجز العراقيين جميعا عن صياغة "عقيدة وطن" فكيف سيتمكن مقاومو التنظيم المتطرف من مواجهته من دون عقيدة تذكر؟
وبما أن معركة الأنبار ستعتمد على سواعد "الحشد الشعبي" مثلما حدث في تكريت، وبما أن معظم عناصر الحشد عقائديون، يؤمنون بنهج الامام الحسين، واستنهاض قيم كربلاء، وأنهم جاؤوا ليقدموا أرواحهم فداءً لهذا المعتقد، فلماذا نستكثر عليهم مثل هذا الشعار الذي سيزيد من عزيمتهم، ويقوي إصرارهم على مقارعة عناصر "داعش".
أتذكر جيدا حين أراد صدام حسين في ثمانينيات القرن الماضي، تحقيق بعد شعبي لترسانته العسكرية، اطلق اسم الحسين والعباس على صاروخين شهيرين جدا واستعرض بهما في ساحة الاحتفالات الكبرى من دون أن يؤخذ عليه أي طائفية تذكر.
المهم أن كل تلك الجلبة لن تؤثر على مساندة الولايات المتحدة للعراق جيشا وحشدا وعشائر في حربه ضد "داعش" لالتزامها الأخلاقي والأيديولوجي القائم على محاربة الارهاب، لكن إشعال تلك التصريحات من قبل البنتاغون ربما تندرج في سياق تحقيق مكاسب معينة، قبل تحرير الأنبار.
منتظر ناصر: كاتب وصحفي في العالم الجديد