رأي

​ تداخل الصلاحيات

​ تداخل الصلاحيات

جمال الخرسان

مع ان الادارة المؤسساتية تفصل مهام كل مؤسسة عن الاخرى وتضع لكل دائرة من دوائر الدولة مساحة واضحة من الصلاحيات الا ان ذلك لا ينفي وجود منطقة محدودة من التداخل والتشابك بين مؤسسة واخرى تتطلب من اجل معالجتها تنسيقا عاليا يجنب الاطراف المعنية الصدام حول اي ملف شائك. هذا التداخل المحدود لا يمكن تجاوزه تماما وهو حالة طبيعية ولا يمكن تجنبه حتى في البلدان المتقدمة في مجال الادارة، بل هنا تختبر مهارة وقدرة المؤسسات على تجاوز التداخل الحاصل فيما بينها بطريقة ناضجة ومقبولة. لكن في بلد شاعت فيه الفوضى الادارية مثل العراق تلاحظ حالة من التداخل المفرط وغير المبرر في الصلاحيات بين مختلف مؤسسات الدولة، بل داخل المؤسسات التنفيذية الخاضعة جميعا لقرارات مجلس الوزراء!   ان حجم التداخل كبير وغير معقول ونابع تارة من عدم قدرة المشرّع على فصل الصلاحيات بشكل دقيق ثم عجز الاداري نفسه عن ايجاد سبل مطلوبة للخروج من هذه المشكلة المزدوجة والنابعة من خلل تشريعي واداري في نفس الوقت.   تتجلى هذه المشكلة ويتضح هذا التداخل المفرط بين عمل وزارات الدولة ومؤسساتها المختلفة في كثير من الامثلة، ويمكن للمواطن ان يتلمسه بشكل يومي، ازمة حادة وازلية مثل ازمة الكهرباء مثال واضح للتداخل، وبسبب الخلافات على الصلاحيات بين وزارتي النفط والكهرباء يعلن بين الحين والآخر خروج بعض محطات التوليد من الخدمة!   أما وزارة المالية فلها مع جميع الوزارات ازمات متوارثة حول الاراضي والاموال التابعة للدولة وبشق الانفس تتم معالجة بعض الامور. واذا ما كانت الوزارات تتبادل الاتهامات فيما بينها حول الكثير من القضايا رغم ان الوزراء يجلسون على طاولة واحدة يوميا فما بالك بدخول طرف ثالث على الخط وهو الحكومات المحلية! وهكذا كلما زادت الاطراف تعقدت المسألة وتشابكت الصلاحيات اكثر فاكثر. ومثال على ذلك الفرص الاستثمارية العديدة التي استقدمت من خارج العراق فيما يتعلق بتطوير منتجع اثار بابل والقصور الرئاسية ولكنها افشلت جميعا بسبب تداخل الصلاحيات وصراع دوائر الدولة حول الجهة المعنية بإدارة ذلك المكان، فوزارة المالية تدّعي انها صاحبة اليد الطولى في تلك المنطقة برمتها، فيما تخالفها في ذلك وزارة السياحة جملة وتفصيلا وتطالب بإخضاع المنطقة بما فيها لصلاحيتها، اما الجهة الثالثة فهي الحكومة المحلية في محافظة بابل اذ تدّعي هذه الاخيرة انها صاحبة الاولوية وصاحبة القرار في المنطقة الاثارية وقصر الرئيس السابق.   ان تداخل الصلاحيات اصبح ازمة تراكمية لا يمكن حلها بسياسة اللجان التي تشكلها الحكومة بل تحتاج الى خلية ازمة اكبر من ذلك بكثير، فالمواطن ليس معنيا بترهل الدولة والفوضى الادارية التي تسيرها والصلاحيات التشريعية المتداخلة.. المهم بالنسبة له الحصول على الخدمات الموكلة بعهدة الدولة.  

مقالات أخرى للكاتب