رأي

في النية إلغاء مصلحة نقل الركاب؟!

في النية إلغاء مصلحة نقل الركاب؟!

راضي الراضي

يقال ان تطور الدول اقتصاديا واجتماعيا يقاس بمدى تقدم نظم النقل فيها. ويقال ايضا ان اساس بناء الزراعة والصناعة هو النقل الذي يختزل المسافاة بين الأمم ويقرب الثقافات. وان للنقل اهمية اقتصادية من حيث تخفيض تكاليف الانتاج، لا بل يقال ان لا تجارة بدون انظمة نقل متكاملة، وايضا هناك من يعتبر ان لأنظمة النقل الدور الأساسي في تنظيم أنشطة المجتمع، وخاصة تنظيم الصناعة والزراعة والتعليم والثقافة والفن.   من كل ذلك نعلم مدى تأثير تخلف قطاع النقل ببلدنا في القطاعات الصناعية والزراعية والتعليمية، لا بل في النمو الاقتصادي الاجتماعي ككل، وان الفوضى التي تعيشها انظمة النقل في وطننا تنعكس انعكاسا سلبيا على كافة القطاعات. لذلك تحتاج الحكومة اليوم الى اللجوء لاستخدام شركات عالمية لها خبرات عالية في مجال النقل بشكل عام لوضع خطط واستراتيجيات بناء نظام تكاملي على اسس علمية وحديثة تعتمد الواقع الجغرافي والبيئي والسكاني والثقافي في البلد.   ان اعادة دراسة هيكلة انظمة النقل في العراق اليوم تشكل اكثر من ضرورة، لأن الأنظمة القديمة المستعملة منذ سبعين عاما، على وجه التقريب، أصبحت لا تتناغم مع متطلبات الحاجة التي يفرضها الواقع العملي، والتغيير الحاصل في البلد من نواحٍ عديدة، ومنها التغيرات السكانية، واتساع المناطق العمرانية، وزيادة عدد الطلبة، وانتشار المعاهد والجامعات في كل مراكز المحافظات، مع الأخذ بالحسبان استمرار هذه التغيرات نتيجة للحركة السكانية المستمرة.   الكل يعلم ان الواقع الخدمي في البلد متخلف جدا، وان الطرق الخارجية عفى عليها الزمن، والداخلية حدّث ولا حرج، وان وسائط النقل في المدن من المركبات النطيحة والمتردية، واسعار التكسيات ملتهبة مع حرارة الجو، والحكومة بدل ان تضع حدا لمأساة النقل في المدن، وتنظم سبل السير في الشوارع، وتهيئ وسائط حديثة؛ تنوي إلغاء مصلحة نقل الركاب!! بحجة ان الناس لا يستعملونها وانها مشروع خاسر ماديا.   شر البلية ما يضحك. عشرات المعامل العاطلة عن العمل من يوم التغيير وحتى الآن والدولة تدفع لموظفيها رواتبهم، وهم بدون عمل، لكنها الآن شدت حزامها من جانب الناس الفقراء لتحرمهم من آخر خدمة في البلد، من دون ان تسأل نفسها كيف سيذهب الفقير الى المراكز الصحية، وكيف سيذهب ابناء الموظفين الصغار الى مدارسهم، وكيف يذهبون لشراء موادهم الغذائية وأن أقل محل خضار ومواد غذائية يبعد كيلومترين عن بيوت السكن إذا لم يكن عشرات الكيلومترات.   ان مصلحة نقل الركاب بسبب انتظامها وأمانها وانتشارها، خاصة في بغداد، كان، حتى، الأغنياء يرتادونها او يستخدمونها، أما سبب خسارتها اليوم فيرجع بالتأكيد إلى إهمال المسؤولين أولا وفوضى الرقابة فلا محاسب ولا رقيب. يا ناس اتقوا لله في فقرائكم وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.   كنا نتأمل حرص وزارة النقل على مواكبة التطور العالمي في خدمة الناس، وخاصة في هذا المجال الحيوي / النقل / ونتأمل تحديث كافة الوسائل والوسائط في مجال النقل الجوي والبري والبحري والعمل على رفع كفاءتها وزيادة قدرتها الاستيعابية، مع الأخذ بالحسبان مردوداتها المادية بما يرفد الاقتصاد الوطني بمشاريع استراتيجية كإنشاء المترو في المدن المكتضة سكانيا مثل بغداد والموصل والبصرة والناصرية وبما ينهي معاناة الناس اليومية على غرار أي بلد متحضر، وبدلا من ذلك نراهم يبترون جناح المواطن بغلق مصلحة نقل الركاب التي يرجع تاريخ إنشائها لثلاثينيات القرن الماضي، ومن دون ان يهيئوا البديل عنها، إلا اذا كانوا يريدون اعادة الكلري الذي تجره الحصن مرة أخرى للعمل في شوارع بغداد الحزينة.  

مقالات أخرى للكاتب