رأي
لقد مر الشعب العراقي بأصعب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والامنية بعد سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي، لا بل أقساها من بطالة خانقة وسياسة خدمات بائسة وحالة أمنية لا يحسد حتى العدو عليها.. رعب وخوف وموت يومي لا يفرق بين اليابس والأخضر وبين الطفل والشيخ وبين المرأة والرجل.
اثنا عشر عاما بأوضاع متردية. حكام وسياسيو الصدفة يتقاتلون على الكراسي والمناصب. دستور مبني على المحاصصة المستندة إلى المحور الطائفي، وملغم بعشرات الألغام المؤقتة نتيجة للنقص المتعمد وغير المتعمد الحاصل فيه، والعبارات المطاطة التي تضمنت امكانية التفسير لأكثر من وجه ومعنى يثير الجدل والخصام، ومثالها السكوت عن تحديد عدد مرات انتخاب رئيس الوزراء، إذ لم يحدد الدستـور بصراحة عـدد الولايات التي يستوزر فيها رئيس مجلس الوزراء، على عكس رئيس الجمهورية إذ ورد في المادة (72) من الدستور: تحدد ولاية رئيس الجمهورية بأربع سنوات، ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب.
ان هذه النواقص، وهي كثيرة في دستورنا، ادت الى خصومات كثيرة انعكست بوضوح على الكتل الحاكمة بشكل أزمات مستمرة ادت الى خصومات طائلة بين الكتل، وبالتالي الى وضع سياسي اداري مرتبك اهمل فيه تطبيق مبادئ الدستور التي أقرت تهيئة حياة حرة كريمة للشـعب العراقي، كما تم اهمال بناء دولة القانون ومؤسساته، لا بل اهمل تطبيق الدستور نفسه الذي اوجبت معظم مواده تنظيم كثير من الامور بقانون، ولم تشرع تلك القوانين حيث ان هناك ما يقارب 45 مادة في الدستور نحتاج لتطبيقها صدور قانون ولم تصدر تلك القوانين، وهذا يعني عدم تطبيق تلك المواد، اي ايقاف العمل فيها لحين تشريع قانون، ولم تشرع تلك القوانين، فهل يمكن لورقة إصلاح ان تنظف الدستور من ألغامه؟ وهل يمكن ازالة او معالجة اجراءات المحاصصة الطائفية التي استمرت اثني عشر عاما بمجرد الطلب بالابتعاد عن السلوك الطائفي؟!
أما البرلمان المشكل معظمه من احزاب الاسلام السياسي، والذي اتسمت مسيرته كل يدافع عن طائفته وعرقه ويعتبر البقية تحصيل حاصل لسد العدد لا غير، لا بل كانت خلاصة عملهم الوقوف حجر عثرة امام تشريع وسن القوانين، وان معظم الاعضاء كان قد دفع لتعيين اقاربه في هذه السوق، وعلى نفس النمط الطائفي العرقي الاثني، حتى اصبح هناك 2500 موظف وأجير بدون شهادة جامعية و14.800 منتسب حماية ما اثقل كاهل الميزانية.
والقضية تصبح اكثر تعقيدا لو علمنا ان هناك ما يقارب 600 سيارة عائدة او تابعة للمجلس مع تكاليف تشغيلها البالغة مليارين دينار سنويا (والمعلومة وردت من داخل مجلس النواب)، اما ايفادات اعضاء البرلمان فحدث ولا حرج: 600 دولار يوميا خارج العراق و150 دولارا داخل العراق، مع العلم ان ميزانية المجلس تتكفل بقية النفقات.
والأهم من كل ما تقدم الطريقة الانتخابية التي تستند إلى مبدأ القائمة، والقائمة هي في العادة تعود لكتلة، والكتلة هي التي ترشح احدا من بين اعضائها على اساس الانتماء والاخلاص للكتلة، وليس على اساس المهنية والكفاءة والنزاهة.
أما بالنسبة للتشكيلة الوزارية التي لا يتناسب عددها مع ظروف البلد والمخاطر التي تحيق به من كل جانب ومكان؛ فكان على السيد العبادي اعتبار ذلك من الأولويات واختزال عدد الوزارات الى النصف، فكان بامكانه دمج بعض الوزارات لوحدة الغرض والهدف، بينها، مثل، دمج وزارتي الزراعة والموارد المائية، ودمج وزارتي التعليم العالي والثقافة، وكذلك وزارتي الاعمار والبلديات والشؤون القروية، والجمع بين وزارتي الصناعة والعلوم والتكنولوجيا، واعتبار وزارات أخرى من منظمات المجتمع المدني، ومنها وزارة حقوق الإنسان ووزارة المرأة، والغاء وزارة الشؤون البرلمانية. كل ذلك من اجل تسهيل عملية الاصلاح وخفض سبل الانفاق الحكومي، والالتفات الى اعادة بناء البنى التحتية للدولة، وقيام خطط ومشاريع استراتيجية تخدم بناء دولة عصرية تتناسب مع عمق العراق التأريخي وامكاناته المادية الكبيرة.