رأي

أحمد فلاح.. فن يتحدث بالنيابة عنا

أحمد فلاح.. فن يتحدث بالنيابة عنا

جاسم بديوي

مع بداية أي حدث سياسي تضج مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من الانفعالات والاحتجاجات والصخب, قليل من الحسابات من تجدها ناضجة وتُطبخ آراؤها على نار هادئة, في الآونة الأخيرة لفت نظري اختزال الموقف السياسي برسمة بارعة وبسيطة, لا أستطيع تصنيفها على أنها كاريكاتير أو بورتريه, بقدر ما أسلم على أنها تندرج في حقول البلاغة الصورية او ما يعرف بالظاهراتية الصورية مؤخرا.   ومع انتشار هذه الصور (الرسومات/ الكاركاتيرات/ البورتريهات) تحمل دلالات وعي سياسي خالص ومعبر عن الضمير الجمعي للجمهور العراقي, بدأت أبحث عن مصدرها, ومن دون جهد كبير وجدتها تصدر من صفحة شاب تحمل اسم (أحمد فلاح) بحروف إنكليزية.   لعل أبرز ما تحمله رسومات أحمد هو الواقعية واللعب الحر في دلالات التاريخ إذ يسقط دلالات الماضي على أشخاص الحاضر بمهارة ووعي نادر ومن يلاحظ صورة صدام حسين المعمم لا يعتريه شك أن الرسمة اكتنزت أقاويل كثيرة واختصرت بخطوط بسيطة وبفنية عالية ما ينبض به الواقع الحي.   استثمر الفنان كذلك وجوه الساسة في تمرير المفَكر فيه الجمعي في بضع خطوط ومن دون ألوان, وحسبك أن ترفع لافتات التحرير رسماته لتكون شعار الإنسان القابع تحت سطوة المرارة والألم التي يعانيها في ظل القادة الجدد، فهو ينطلق من الدلالة إلى الشخصية؛ أي يلعب في المساحة الحرة بين الدال والمدلول, مكونا إشارة إبداعية تكثف رمزية الفساد, وهي مفردة الفنان الأثيرة , في ملامح الوجه.   مصاص الدماء الهوليودي, سقراط الخارجية المتفلسف, رجل العصابات الفاسد, صحاف الدفاع, رجل أرجوحة القضاء, سيلفي تحالف الأخوة الاعداء, كرسي المفاوض البائس, موهوب التعليم الخارق, ثلاجة المتظاهرين, التفاتة منتظر, سياسي متلازمة داون, ورقة الإصلاحات, إلخ, أعمال تختصر اللغة بإشارة تحيلنا إلى مفاهيم الادهاش, وهي مفاهيم تنشدها عمليات التفكير.   الجرأة والشجاعة التي ينطلق منها الفنان تتنفس من أعالي جبال الإحساس بالمسؤولية الإنسانية, فقد شحنت روحه بهواء الحرية الطلق وهنا لا أقصد الحرية الخارجية؛ أي حرية التعبير السياسية التي تقرها الديمقراطيات العرجاء وإنما أعني حريته الداخلية التي ترفض استعباد الطوائف والعقائد لروحه البرية, فتلك الأعمال تعكس تحليق روح الفن فوق جثث الطوائف والقوميات والعشائريات والفئويات المتناحرة من أجل الفوز بالتعفن.   فكرة أحمد فلاح المركزية إذن هي التضامن مع الناس, والناس بدورهم تضامنوا معه فحملوه معهم محتجا ناقدا لاذعا منتفضا بدون صراخ ركاب الأمواج من مثقفي الشرارات الأولى في زمن الحرائق المقدسة, والمتكالبين على ألقاب البداية في قيامة نهاية التاريخ, فهل عاد الفن إلى وظيفته القديمة التي اندثرت تحت أنقاض موضات التشكيل وأزياء ما بعد الحداثات الثقافية؟.   هل عاد الفنان إلى صفوف البسطاء والمحتاجين ليكون سلاحهم وخندقهم؟. هل عاد الفن ليقارع السلطات (بمعناها الضيق) بما يكفله من انتشار في زمن التكنوميديا؟.  

مقالات أخرى للكاتب