رأي
صدر كتاب الدكتور عبد الله الغذامي الناقد السعودي المعروف (ما بعد الصحوة) عن المركز الثقافي العربي هذا العام.
والكتاب كما عودنا الغذامي في كتب أخرى له، مثل (حكاية الحداثة) و(القبيلة والقبائلية أو هويات ما بعد الحداثة) و(الفقيه الفضائي) و(اللبرالية الجديدة) يجمع بين قدرة الكاتب العالية على متابعة القضايا الشاغلة للمجتمع السعودي- والدين من أكثرها حضورا وحساسية- وتحليلها وإرجاعها إلى أصولها الثقافية مع التركيز على الجانب الشخصي أو المعاناة الشخصية للكاتب، فهو يذكر في ثنايا الكتاب تجاربه مع الإسلاميين ومواقفهم منه ومن الحداثيين الذين ينتمي إليهم. وهذا التركيز على الجانب الشخصي، مع ما يتمتع به الغذامي من قدرة عالية على الرصد وربط الظواهر المختلفة ببعضها وتعليلها، وبعد كل ذلك سردها سردا مترابطا بلغة واضحة، جعل الكتاب ممتعا وخفيفا على القارئ ونافعا.
وتكمن فائدة الكتاب في أنه يقدم للقارئ، والقارئ غير السعودي تحديدا، تصورا تفصيليا وواقعيا عن المجتمع السعودي المتشدد دينيا الذي يتشكل التشدد فيه جماعيا فيتحول إلى سلطة تقصي سلطة الدولة وتضعف أية مقاومة تنشأ باسم أي مبدأ سواء أكان دنيويا كحقوق الإنسان وحريته أم دينيا كذلك الذي يعود إلى أن النبي أوصى بأخذ أيسر الخيارات في التعامل مع الأمور، وكذلك الذي يتبناه بعض الفقهاء كالقول إن غطاء الوجه ليس من الحجاب.
والكتاب يقدم للقارئ سيرة عملية لمثقف ومفكر هو الكاتب الذي يراقب تحولات المجتمع ويحللها وقبل ذلك يعيشها، فالغذامي يرصد وهو الأستاذ الجامعي، تحوّل الشباب إلى اللحى وتقصير الثوب والسواك بدل السكارة والتجهم ومقاطعة محاضراته واستيقافه لتنفنيد أرائه كيفما تسنى لهم، وهم طلبته، استيقافه. وليس له من سلاح في مواجهة تحولات خطيرة وعنيفة كالتي يصف، وتعرف عندهم بالصحوة، ويعرف المنتمون إليها بالصحويين، ليس له وللحداثيين من أمثاله إلا الحوار وإلا المناورة وإلا تجنب المصادمة، وهي وسائل لم تفلح في تغيير واقع الحال.
ولا يخلو كتاب (ما بعد الصحوة) من عيوب من بينها التقريرية وتبسيط ظواهر معقدة، فهو مثلا يرد ما حدث من تديين لمظاهر الحياة الاجتماعية إلى الفراغ العاطفي والفكري الذي تولد من هزيمة العرب أمام إسرائيل في عام 1967 وانكسار القومية التي كانت مستولية على عوطف الجموع وتفكيرهم. وهذا تفسير يلغي الطبيعة الدينية لبعض المجتمعات كالسعودية وكبعض البيئات في العراق نفسه وقد انتجت حركات دينية صحوية حملت شعارات سياسية. ثم ان معظم الحركات الصحوية والمتشددة تعود زمنيا إلى ما قبل قيام الثورات قومية الطابع في الخمسينيات، وإلى ما قبل الهزيمة العربية وانهيار الحلم العربي.
ولكن يبقى الجانب التفسيري والشخصي في الكتاب مهما، فهو على الأقل يجعل القارئ يعيد النظر في أمور تعود على تقبلها كمسلمات إذا كان إسلاميا أو التعايش معها إذا كان غير ذلك. وأخيرا.. كم في تجاربنا، وفي ما شهدناه من تحولات خطيرة، ما يستحق الكتابة عنه؟! وكم ستكون فائدة الكتابة تلك كبيرة للقارئ الذي يعجزه فهم ما يجري وتفسيره، وهو ينتظر من يناقش قضاياه ويدونها له مشفوعة بالتفسير والتحليل، في كتابة أقرب إلى التفكير بصوت عال وبلغة واضحة؟!