رأي
كثر الحديث عن وباء "الكوليرا" الذي انتشر كتوسع "داعش" في البلاد، على الرغم من مغادرته سجلات المستشفيات في العديد من بلدان المنطقة بسبب التطور الصحي والخدمي فيها.
ورغم محاولات مجلسي النواب والوزراء الرامية لتطويق الازمة الصحية، الا أنها لم تأت أكلها لغاية الآن، بل إن الوباء ازداد تفشّيا وتجاوز موطن ظهوره الأول في أبوغريب وحزام بغداد (غربي وجنوبي العاصمة) زاحفا باتجاه الفرات الأوسط، وبعض المحافظات الجنوبية.
ولا يقف وراء تفشّي هذا الوباء سبب واحد فقط، كما يروج لذلك البعض من خلال إلإلقاء باللائمة على الوضع الأمني، على اعتبار أن منبع المياه الواردة الى قضاء ابوغريب واقعة بيد تنظيم "داعش"، ما تسبب بشحة المياه في تلك المناطق مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة.
الحقيقة أن جهات عدة تتحمل مسؤولية ما جرى بسبب تفشي الفساد في مفاصلها، فلو لم تكن وزارة الصحة فاسدة ومتلكئة، لما ترك مرضى "أبوغريب" في العراء ينتظرون دورهم ساعات وأياما لاجراء الفحوص والتحاليل اللازمة، بسبب نقص العلاج والأسرّة، وغيرها، ولما تفاقمت الأزمة بسبب عدم وضوح الرؤية والستراتيجية للوقاية من هذا الوباء وأشباهه.
ولو لم تكن وزارة البلديات متلكئة وفاسدة، لما تركت شبكات المجاري بهذه الرداءة التي انعكست سلبا على صحة المواطنين هناك.
ولو لم تكن محافظة بغداد فاسدة ومتلكئة أيضا، لما تركت الأهالي يعانون من شح المياه، واللجوء الى شراء المياه المعقمة من قبل المستطيعين اليه سبيلا، وما إعلان محافظة بغداد ووزارة البلديات عن تنفيذ مشروع لرفد القضاء بـ10 آلاف متر مكعب بالثانية اليوم الأربعاء، إلا تغطية على الفشل المقيم في مفاصل المؤسستين.
وما قول عضو خلية أزمة مرض الكوليرا في وزارة الصحة محمد جبر لوسائل الاعلام، من أنه جرى توفير مياه صالحة للشرب بشكل عاجل في منطقة أبوغريب لدرء تداعيات انتشار "الكوليرا"، بالاضافة الى توزيع حبوب تعقيم المياه على المواطنين، الا تعزيزا لذلك الفشل الحكومي.
لقد كان على وزارتي الصحة والبلديات بالاضافة لمحافظة بغداد، أن يعلموا بأن العراق من البلدان التي يستوطن فيها هذا المرض، وترتفع نسب الاصابة به كلما ارتفعت حالات التلوث ودرجات الحرارة، وبالتالي انعدام المياه الصالحة للشرب، الأمر الذي يضطر الأطفال والشيوخ وغيرهم من محدودي الدخل والوعي الى الشرب من تلك المياه الآسنة.
المؤسف حقا هو أن الدولة العراقية، طوال السنوات العشر الماضية، أهدرت مليارات الدولارات التي لم تصرف على البنية التحتية في العراق بشكل حقيقي، وإنما تم إنفاقها على موارد ترفيّة وأخرى أساسية لكنها نُفِّذت بشكل سيئ، وذلك بسبب حالات الفساد المستشري في مؤسسات البلاد التي زادت أحزاب السلطة طينها بلة، فيما لا تزال أحياء كثيرة في المدن العراقية، بلا شبكات صرف صحي أو مياه صالحة للشرب.
ختاما.. علينا أن نشكر وباء "الكوليرا"، ذلك الضيف الثقيل الذي داهمنا فجأة في عز اشتداد الأزمات، وارتفاع النقمة ضد "مترفي المنطقة الخضراء"، لأنه كشف انهيار النسق الاداري والخدمي والصحي في البلاد، وفضح عورات المسؤولين، الا أن ذلك فيما يبدو لن يكفي لتنبيه الحكومة ورعاتها المتحاصصين لمراجعة أخطائها، بل إنها ستطوي صفحة هذا الوباء كعادتها في كل أزمة، لتتعرى من جديد أمام أزمات أخرى!
منتظر ناصر