رأي
محمود أحمد السيد رائد القصة والرواية العراقية، وهو لقارئ كتاباته في (هياكل الجهل) و(القلم المكسور) (صدرا عام 1923) يظهر من رواد المقالة العراقية الأوائل.
والمقالة في بعض تعريفاتها: قطعة من النثر معتدلة الطول، تعالج موضوعاً ما معالجة سريعة من وجهة نظر كاتبها. وبحسب موضوعها تتنوع المقالة، فهناك المقالة السياسية والاجتماعية والنقدية، ولا بد للمقالة من صيغة تتخذها في مخاطبة القرّاء فهي إما مباشرة تتوجه إلى القرّاء مباشرة وتخاطبهم وكأنها تكلمهم أو تخطب فيهم. وإما غير مباشرة تصطنع قصة وتستحدث شخصيات وتوجد حبكة تنتهي من خلالها إلى الهدف المقصود من المقالة. والصيغتان كلتاهما وجدتا عند محمود أحمد السيد.
يطرح السيد صراحة في مقالة له بعنوان (الحكمة العجوز) موقفه من التراث العربي القديم، ويرى أنه عالة على الإنسان العربي وعقبة في طريق تقدمه.
ويسمي ما يرد فيه الحكمة العجوز. ويقول: دعونا نتأمل كتبنا التراثية. وإذا فعلنا فسنجد (القناعة كنز لا يفتى) أي مت أيها الشعب جوعا لأن القناعة يا مسكين كنزك الذي لا يفنى. ثم نجد (رب كلمة سلبت نعمة) أي اسكت أيها الشعب إذا غُصب منك حقّ أو انتهكت لك حرمة. ثم نجد (جانب السلطان واحذر بطشه) و(لا تخاصم من إذا قال فعل) و(تقبيل اليد القوية خير من مشابكتها) و(قول الحق لا يترك للإنسان صاحبا). وكلها حكم تفعل فعها في إذلال النفوس وقهرها وانحطاط أخلاقها. ولذا يقول الكاتب للقرّاء في نهاية مقاله: إذا كنتم ناهضين فاهدموا قبل كل شيء بناءكم القديم المتداعي الأركان ثم ابنوا بعد ذلك صرح نهضتكم المتمرد.
إنه يدعو إلى نبذ ذلك التراث وحكمه، فعاداتنا وأخلاقنا اليوم مستفادة من علومنا الكلامية، وفسادها وانحطاطها دليل كبير على فساد تلك العلوم.
ويُبنى قسم من مقالات محمود أحمد السيد على القصة التي يختلق فيها شخصية من الشخصيات يصفها وينقل كلامها في حادثة تجمعهما وما تنتهي إليه تلك الحادثة، كقصة ذلك الشاب الذي يدعي المعرفة والثقافة وكل آرائه مسروقة من الآخرين، وحين ينكشف أمره وتتضح سرقته يهرب، فهو يقول: (الاشتراكية بخار الفقر)، وكأنها كلمته. ويسكت عنه الكاتب، ولا يريد أن يحرجه إلى أن يذهبا إلى مكتبة فيأخذ مدعي المعرفة كتابا ويقرأ منه بصوت عالٍ مقطعا طويلا يصل فيه إلى مكان ما، ويقف وقوفا قسريا، وقد امتقع لونه وسقط الكتاب من يده على المنضدة. يقول الكاتب: فصرخت من فوري بخار الفقر.. هذا بخار الفقر. أما هو فاطرق إلى الأرض وخجل وهرب، وغول الجهل يعدو وراءه.
يكتب السيد مقالة هدفها الإصلاح والتنبيه إلى مشكلات المجتمع صراحة كما في المقالة المباشرة، أو ضمنا كما في المقالة القصصية. وفي النوع الأول يناقش عيوب الثقافة والمجتمع العامة. أما في الثانية فيناقش العيوب الفردية. وفي الحالتين يقدم الكاتب موقفا واضحا من التخلف داعيا إلى النهضة التي لا تحدث إلا بنقد التراث البالي، والتحرر من آثاره في الجماعة وفي الفرد.