رأي

في فلسفة التحالفات

في فلسفة التحالفات

ياسر عبد الحسين

حوار المعرفة الجدليّ في ميدان العلاقات الدوليّة لم ينقطع أبداً يُلاحِقه سَرَيان الأحداث في العالم بشكل فاقد لإمكانيّة الحديث عن وجود منطق سياسيٍّ يُهيمن على تفسير الأحداث والمُتغيِّرات، ولكن يبدو أنَّ الحديث الإقليميَّ في ميزان القوى يعلو قليلاً على الحديث الدوليِّ للقوى الكبرى كأنَّ السياق العامَّ يذهب إلى أنَّ مُعادَلة التحالف في ميزان السوق الاستراتيجيّة هي (قوة كبرى+ قوى إقليميّة= سياسة تحالفيّة) تـُواجه نظيرتها بشكل مُوازٍ وتنافسيٍّ. هذه الأبجديّات تتحمَّلها بشكل عامّ القوة الأضعف، وهي حمَّالة عنف التوازن بشكل عامّ.   وأنا أقلـِّب بين يدَي الكتاب الذي صدر مُؤخـَّراً لمبعوث سورية في الأمم المُتحِدة الدكتور بشار الجعفريّ (التحالفات السوريّة) الذي التقيتُ به خلال حُضُوري اجتماعات الجمعيّة للأمم المُتحِدة في نيويورك، وقبل ذلك قرأت كتاب السوريّ -أيضاً- عبد الحليم خدام (التحالف السوريّ-الإيرانيّ) أعادت إلى ذاكرتي المقولة الذهبيّة في البراغماتيّة السياسيّة: (لا صديق دائم، ولا عدوّ دائم في السياسة إنما مصالح دائمة)، ولكن في ظِلِّ التفاعلات الجديدة في النظام العالميِّ، وبُرُوز ظاهرة اختفاء القوى العظمى في معامل السُلـُوك الدوليِّ يُتيح فرصة أكبر للفواعل الإقليميّة، وكأنه عصر (المعاملات الإقليميّة)، وحتى نظام تقييم ساحة الدول الكبرى أصبح اليوم ضمن معياريّة القوى الإقليميّة، وتراتبيّاتها.   لابُدَّ لكلِّ دولة أن تسأل نفسها: أين تتجه بوصلتها الاستراتيجيّة؟ والسؤال الأهمّ: هل يجب أن تعيش في تحالفات إقليميّة ودوليّة ألا يُمكِن أن تكون على التلّ بعيداً عن أيِّ اصطفاف في خِضَمِّ منطقة تعيش على ثقب أسود من الأزمات، وإذا تمَّ الانضمام إلى تحالف هل يعني هذا أنك تقف أمام الآخر بالضدّ، وهل تصحّ مقولة: النأي بالنفس؟   انطلاقاً من مقولة تاريخيّة قديمة: (إذا كان هناك شخص واحد في العالم عمَّ السلام، وعندما يكون هناك شخصان عمَّ الصراع بين الطرفين، وإذا كان هناك ثلاثة لابُدَّ من تحالف لطرفين في هذا المثلث).   في القاموس السياسيِّ المقصود من التحالف هو عمليّة إحلال التعاون بدلاً من الصراع إذ تسعى الأطراف المُتحالِفة إلى جُهُود مُشترَكة لمُواجَهة المخاطر، أو توزيع الأرباح المعنويّة والملموسة.   ومفهوم الحليف غير التحالف؛ لأنَّ التحالف لا يعني الاندماج الكامل، بل اتفاق مُبرمَج مع الحفاظ على الوحدة الاستقلاليّة لكلٍّ منها، وإن كانت فلسفة التحالف تقف على عتبة تلاقي المصالح الآنيّة والمُتوسِّطة المدى التي قد تـُحوِّل الخلافات إن وُجـِدت إلى علاقات مُنسجـِمة بين الأطراف.   وإن بات الحديث في منطقة الشرق الأوسط عن كون التحالف أصبح ضرورة لازمة لكلِّ الدول فإنَّ طبيعة الأوضاع والظروف في البيئة الداخليّة والخارجيّة تقتضي مُراجَعة قرار الانضمام؛ لأنَّ حيثيّات السياسة لا تعني في عصر اليوم فنَّ المُجامَلة، أو فنّ العُزلة، أو فنّ خلق الأعداء مع ضرورة الانتباه إلى أنَّ تقييم سياسة الانعزال، والنأي عن النفس يحتاج إلى مُراجَعة؛ لأنَّ هذه السياسة تقتضي أن تكون -بطبيعة الحال- بعيداً في عالم ماوراء المحيطات، ولستَ في قلب الأزمة.   لا يُمكِن فهم هذه السياسة، ومُجتمَعاتك تـُكوى بنار الحرب الطائفيّة، والتصعيد الإقليميِّ المُتفاقِم؛ لذا أتوقـَّع أنَّ مَن لا يدخل الحلف في الأقطاب الإقليميّة-الدوليّة بحكمة، وقرار استراتيجيٍّ واضح سيكون المُستقبَل مَعَه نحو المجهول؛ لذا يُسجَّل للنظام السوريِّ نجاحه في صناعة الحليف الاستراتيجيِّ رغم طبيعة الارتدادات العميقة في طبيعة الأحداث.   في المُقابل أيّ نوع من التحالفات ينبغي الدخول فيها.. هل هُوَ تحالف (الضدّ)، أم تحالف (مَعَ)، وهل هو تحالف (الراغبين) مثل التحالف الذي شكـَّلته الولايات المُتحِدة الأميركيّة عام 2003 في حرب العراق، أم تحالف (المُضطرِّين) الذي شكـَّلته الولايات المُتحِدة في حرب الخليج الثانية عام 1991، وقد يعود هذا الموضوع إلى دراسة طبيعة هذا التحالف، هل هو وقتيّ؛ لغرض مُعيَّن، أم لأغراض عِدّة، وبحسب طبيعة الموضوع؛ لأنَّ التحالفات لا تـُؤخـَذ من ناصية (أوباما) السُنـّيّ، و (بوتين) الشيعيّ، إنـَّما ترى بمنظار البراغماتيّة العالية في فهم طبيعة التفاعلات الدوليّة الجديدة.   سؤال آخر يبرز في العلاقات الدوليّة: هل هناك حلف سياسيّ صادق، وحلف سياسيّ آخر إعلاميّ، وهل إنَّ الدول تستمرُّ في تحالفاتها من باب الأخلاقيّة الدوليّة لو صحَّت تسميتها، وكما هو الحاصل في استراتيجيّة روسيا البوتينيّة تجاه تمسُّكها بالملفِّ السوريِّ رغم كلِّ الإغراءات النفطيّة العربيّة الخليجيّة.   كان المُتوقـَّع أن تـُؤدِّي أخطار تنظيم داعش على المنطقة إلى قيام سياسة مُراجَعة استراتيجيّة في البحث عن الأخطار قبل المصالح المُشترَكة، وأن تتحوَّل من صراع المصالح إلى تعاون الأخطار ولو بشكل مُؤقـَّت؛ لكي تكون هناك نتائج سريعة، لكنَّ بوصلة الخلافات الإقليميّة تعلو بشكل واضح، وعُقدة القلق التاريخيِّ مُتلازمة واضحة لصانع القرار الشرقيّ.   سياسة التحالف الستينيِّ مازال يُهمين عليها المُدرَك الأميركيِّ خُصُوصاً في بُنيات التحالف الدوليِّ لمُواجَهة داعش، وإنَّ عقد العديد من المُؤتمَرات واللجان السياسيّة الخمس الخاصّة به في العديد من الدول، لكنَّ هذا التحالف مازال يبحث عن هُويّة خاصّة به، أو على الأقلِّ تجمعه في إطار مصلحيٍّ مُشترَك؛ لذا ثمة مَن يرى أنَّ هذا التحالف الدوليَّ بحاجة إلى مُراجَعة حقيقيّة من حيث الشكل والمضمون، ونيّة تلك الدول فعليّاً لمُواجَهة خطر داعش خُصُوصاً بعد مُرُور أكثر من عام على تأسيس هذا التحالف. بالمقابل يقف التحالف الرُباعيُّ بقيادة روسيا الذي لم تظهر تشكيلاته الواضحة إلا عبر وسائل الإعلام أكثر تماسُكاً ووضوحاً في الهدف، والمشروع، وواضحاً أنَّ فلسفة الحرب لدى كلا الطرفين تختلف وإن اتفقت على مُواجَهة خطر التنظيم الإرهابيّ.   بشكل عامّ فإنَّ عملية الانضمام إلى أيِّ تحالف تتطلـَّب دراسة المُؤشِّرات الميدانيّة على الأرض، وقراءة زوايا المصلحة. ففي حالة العراق فإنـَّه يُرحِّب بأيِّ جهد تقوم به أيّة دولة في حربها لمُواجَهة داعش، وعليه الاستفادة من كلِّ الأطراف؛ لأنَّ العراق اليوم بسبب الظروف الحاليّة ليس في محلِّ اختيار، ولكن يُمكِن أن يُؤدِّي دوراً تكامُليّاً بين كلِّ الأطراف الجادّة في الحرب على الإرهاب، ولكن يبقى الحليف الرئيس مَن يستشعر أنَّ أمنه القوميَّ قريب من تلك المخاطر يكون تفاعله بشكل واضح ورئيس.    

مقالات أخرى للكاتب