رأي

من أجلنا

من أجلنا

عقيل عبد الحسين

صدرت الغلامة لعالية ممدوح عام 2000. وتشير إلى الأوضاع السياسية السيئة في العراق في حقبة الستينيات من القرن الماضي وأثرها في الإنسان العراقي. وهي لا تناقشها في ذاتها، ولكن فيما تسببه من خسارات للإنسان وللمرأة، تحديدا، التي تكون ضحيتها الأولى.   الرواية إنسانية وليست سياسية أو دعائية. هي تدين الآيديولوجيات لأنها سبب خراب الحياة والإنسان وسبب تحويل الوضع الطبيعي إلى شاذ، والشاذ إلى طبيعي. ولأنها تستبدل فرص الحب والحياة بالكره وبالموت. ولكنها تفعل كل ذلك من دون التصريح به، ومن خلال البطلة، والراوية صباح.   وصباح تروي قصة عذابها التي بدأت من ليلة اعتقال الحرس القومي لها واغتصابها وخروجها من المعتقل حاملا ثم زواجها الصوري وولادة ابنتها وتنقلها بين الأسماء والعلاقات الغرامية وصولا إلى انتحارها.   الرواية كلها جديرة بالقراءة شأنها شأن روايات عالية ممدوح الأخرى. ولكن ما بقي عالقا في ذاكرتي، وأظن أن الرويات المهمة هي التي يبقى منها شيء قليل أو كثير في الذاكرة، هو المشهد الذي تتخيله صباح بديلا للمشهد الحقيقي الذي تعيشه في سياق العالم الروائي، فبدل أن تكون الآن معتقلة من مجموعة من الرجال ومحشورة بينهم في سيارة الأمن، هي تتخيل أنها محبوبتهم، فهي شابة وهم شباب، وهذا هو عمر الحب لا العنف والقسوة، وأنها تبادلهم الغرام والحياة الطبيعية والمنزلية ربما. وتتخيل تفاصيل تتصل بهذه الحياة ومشكلات غير هذه المشكلات السياسية والآيديولوجية، مثل مشكلة أن شعرها سيكون مرتبكا ومزعجا، وأنها تعض على شفتها وتحدّث نفسها، لا من شدة الخوف، ولكن من الحلول التي ستجدها مع محبوبيها لهذه المشكلة. وتقول: سنعثر على كافة الحلول.   الحياة الإنسانية حلولها كثيرة وممكنة. أما الحياة الملغمة بالسياسي والآيدولوجي والعقائدي فلا حلول لها. ولا يكون معها الإنسان قادرا على الحب أو الحياة. وهذا ما ستبرهن عليه الرواية جيدا فيما بعد، من خلال مصير صباح.   ما تقوله لنا الغلامة هو أن علينا الانتباه إلى فرص الحياة الكامنة، حتى في أشد الظروف قساوة وقتامة والتمسك بها، لأنها قد تكون معينة لنا على مقاومة الخراب.   تصل عالية ممدوح إلى أعماق الإنسان وتعبّر عن مأزقه النفسي والوجودي والجسدي، بسب حياة كل ما فيها مُخرَّب، ولكنها لا تنسى أن تنبه إلى احتمالات الحياة والسعادة والحب واللذة المهملة التي سيكون من شأن التفاتنا إليها أن يصنع لنا الحياة التي نحب. الحياة التي ضُيعت منها، ولا تريد لنا أن نضيعها. وتلك هي ميزة رواياتها. إنها فيها، من خلال البطلة، تركز على نفسها كثيرا، فتظهر آلامها وخساراتها، من دون أن تنسانا، نحن القرّاء. وكأنها تفعل ذلك من أجلنا لا من أجلها.  

مقالات أخرى للكاتب