رأي
عادة ما ترسم المكتبات، وطريقة اختيار العناويين فيها نمطاً من أنماط التفكير الشخصيِّ، كاشفاً لحيثيّات الذهن والتلقِّي الفكريّ التي تدخل في رسم سُلـُوكيّات مُستقبَليّة، أو عُقد شخصيّة في علم النفس السُلـُوكيّ.
لذا ليس من الغريب أن أجد في مكتبة أبو بكر البغداديّ (عوّاد إبراهيم البدريّ) الشخصيّة التي كان يقرأ بها أيام دراسته في جامعة صدام للعلوم الإسلاميّة تفسير (في ظلال القرآن لسيِّد قطب)، وبعض كتابات رُوّاد حركة الإخوان المُسلِمين مثل محمد قطب، وحسن البنا، وآخرين، علاوة على كتابات أخرى للمدرسة السلفيّة أمثال محمد بن عبد الوهاب، وابن باز وآخرين، بل يعثر على بعض الكراسات في معاقل داعش المُحرَّرة تخصُّ كتابات حسن البنا، ومحمد قطب.
البغداديّ كأيِّ داعشيٍّ كان خِرِّيج مدرسة التطرُّف، وإن كانت التقلـُّبات واضحة في اختياره أنماط المدارس في الفكر الإسلاميّ من الصوفيّة الأشعريّة إلى الإخوانيّة إلى السلفيّة إلى السلفيّة الجهاديّة إلى الداعشيّة القاعدة مُؤخـَّراً ساهمت في صناعة شخصيّته كأيِّ داعشيٍّ اليوم في معامل الإنتاج المُتطرِّف، وهما: سجن بوكا الذي يُمثـِّل محطة زواج البعث مع القاعدة، وتلتقي الحالة العفلقيّة مع الزرقاويّة القاعديّة ليتمَّ إنتاج أكبر معامل غسيل الأدمغة لصناعة الدواعش.
وجامعة صدام للعلوم الإسلاميّة التي أسَّسها عزة الدوريّ، والتي تخرَّج منها البغداديّ حاملاً شهادتي الماجستير والدكتوراه، وكتبتُ عنهما بشكل مُفصَّل في كتابي (الحرب العالميّة الثالثة.. داعش والعراق وإدارة التوحُّش) إذ انضمَّ إليها البغداديّ عام 1996 لنيل شهادة الماجستير في موضوع مُتعلـِّق بعلوم القرآن الكريم، وشرح نصوص تتعلـَّق بمخطوطة قديمة لا يحتاج فيها الباحث إلى أدوات ومنهج علميٍّ بقدر التمسُّك بمناهج أصوليّة واضحة من دون الحاجة إلى حفريّات معرفيّة، أو قدرات إبداعيّة، ثمَّ التحق بالدكتوراه.
وإذا عدَّ أهل الاختصاص في دراساتهم أنَّ كتب سيِّد قطب مثل كتاب (معالم في الطريق) بمنزلة المنهج الأساس للحركات المُتطرِّفة وَصَل البعض في توصيفه أنه أقرب إلى كتاب لينين (ما العمل بالنسبة للحزب الشيوعيّ الماركسيّ)، أو كتاب (الرأسماليّة بالنسبة للاقتصاد الماركسيّ.
عُمُوماً فإنَّ البحث عن العلاقة بين الإخوان وداعش ليس بحثاً في علاقة تنظيميّة واضحة المعالم بقدر ما هو بحث عن الأسس الفكريّة لتجمَّع التشكيليِّين خُصُوصاً بعد الحُصُول على مصادر تذهب إلى انتماء البغداديّ لتنظيم الإخوان المُسلِمين في العراق خلال وُجُوده في الجامعة بمرحلة الماجستير، وعن طريق عمِّه إسماعيل البدريّ، وإن كان تنظيم الإخوان المُسلِمين في العراق اختلف عن مثيله في مصر وبعض الدول. فالأوَّل ركـَّز على البُعد الإرشاديِّ والدعويِّ، والتحرُّك داخل النظام وليس الحرب على النظام، وهذا -أيضاً- شمل السلفيِّين ولاسيَّما عقب حرب الخليج الثانية 1991 الذين فضَّلوا مُهادَنة النظام، أو إنَّ النظام استخدمهم كورقة .
كـُتـُبُ الإخوان المُسلِمين -بلاشك- صنعت، وساهمت في شخصيّة البغداديّ خُصُوصاً تلك القواعد التي مزجت بين الإخوان والسلفيّة، وفلسفة (العدوّ القريب والعدوّ البعيد، ودار الكفر وغيرها)، لكن سرعان ما تحوَّل إلى السلفيّة بشكل بارز، وإن كانت الخطوط في العراق غير واضحة التمييز بين السلفيّة والإخوان حاله حال الكثير من أعضاء الإخوان المُسلِمين في العراق الذين انتقلوا إلى السلفيّة، وشاركوا في ظاهرة الأفغان العرب مثل محمد حردان الذي أصبح فيما بعدُ قائد ما يُسمّى جيش المُجاهِدين السلفيّ في العراق، ورُبَّما يرى البغدادي أنَّ الإخوان في العراق هم جماعة للتنظيرات لا الأفعال؛ ومن أجل ذلك جرت تحوُّلاته الفكريّة؛ لذا أهمّـيّة هذا الموضوع تفرض القيام بالعديد من الدراسات العلميّة لفهم طبيعة مَن نُحارب، إذ لا يُمكِن أن نحارب عدوّاً لا نعرفه.