رأي

المبادرة العراقية والدبلوماسيّة الوقائيّة

المبادرة العراقية والدبلوماسيّة الوقائيّة

ياسر عبد الحسين

في حديث لوزير الخارجيّة العراقيّ الدكتور إبراهيم الجعفريّ حول المُتغيِّر الجديد في العلاقات الدوليّة قال: إنَّ الوضع الدوليَّ اليوم يختلف في عالم مُحارَبة الإرهاب، إذ كانت العلاقات بين الدول في السابق تقوم على إطار المصالح المُشترَكة، أمّا اليوم فتتحرَّك على أساس المخاطر المُشترَكة؛ لأننا اليوم أمام خطر مُشترَك وهو داعش.   أجد واقعيّة الدكتور الجعفريّ في (الخطر المُشترَك) بدلاً من (المصلحة المُشترَكة)، وإن كانت قد اعتمدت نظريّة الواقعيّة على مفاتيح خاصّة في العلاقات الدوليّة، أبرزها: القوة، والمصلحة، والعقلانيّة، وباتت تلك المفاهيم تفتح أنماط العلاقة بين الدول الإقليميّة، والكبرى، وإن كانت الواقعيّة البنيويّة الجديدة Neo- Structural Realism بنوعيها (الهُجُوميّ Defensive Realism والدفاعيّOffensive Realism) ترتبط بمعيار المصلحة فإنَّ المصالح اليوم تـُحدِّدها معايير المخاطر المُشترَكة.   وتبقى واحدة من أهمِّ مبادئ مُواجَهة المخاطر المُشترَكة هي الدبلوماسيّة الوقائيّةPreventive diplomacy التي تقوم على اتخاذ الإجراءات لمنع نشوب النزاعات بين الأطراف، والتقليل من درجات الاختلاف؛ لمنع تحويل تلك النزاعات إلى صراعات، وحسبما يقوله Michael S. Lund مؤلف كتاب (Preventing Violent Conflict: A Strategy for Preventive Diplomacy) بأنها هي الإجراءات المُتخَذة في الأماكن غير القويّة؛ لتجنـُّب التهديد بالقوة، أو استخدام القوة، وما يتصل بذلك من القسر من قبل الدول، أو المجموعات لتسوية الخلافات السياسيّة التي يُمكِن أن تنشأ من آثار للاختلاف بحيث تكون مُزعزِعة للاستقرار عبر التغيير الاقتصاديِّ، والاجتماعيِّ، والدوليّ.   ومهما اختلف الرؤى الأكاديميّة لمفهوم الدبلوماسيّة الوقائيّة إلا أنها -بشكل عامّ- تـُركـِّز على منع الصراع عبر اتخاذ إجراءات وقائيّة، والمفهوم انطلق من المنبر الدوليِّ عبر كلام الأمين العامِّ للأمم المُتحِدة Dag Hammarskjöldلأوَّل مرّة بعبارة الدبلوماسيّة الوقائيّة عام 1960، لاحقاً تطوَّر المضمون للعمل به وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ (UNDP) عام 2001، وتصدَّر المفهوم تقرير الأمين العامّ للأمم المتحدة بان كي مون عام 2011 الذي دعا إلى تعزيز بناء القدرات، وتشكيل الشراكات لتعزيز عمل الدبلوماسيِّين الوقائيّ. وأمام واقعيّة الدبلوماسيّة العراقيّة في منطق السياسة الخارجيّة فإننا أمام:  
  • الواقعيّة تقضي بأنَّ العراق هو الخاسر الأكبر في الحرب بين إيران والسعوديّة.
 
  • الواقعيّة تعني أننا نعيش بين نظامين مُتناقِضين، هما: نظام ولاية فقيه، ونظام وهابيّ، وهذان النظامان يعيشان حرباً باردة ليست بالجديدة منذ بدايات قيام الثورة الإسلاميّة في إيران، وليس خيارنا أن تكون إيران أو السعوديّة جنبنا، بل خيار الجغرافية، والتاريخ.
 
  • العراق كان دائماً مسرح صراع الأرض الثالثة، كلما كان الخلاف الأميركيّ-الإيرانيّ يتوسَّع كان الأثر الرجعيّ feed back بكلِّ أشكاله يجري في العراق، وفي السابق واليوم كلما اتسعت دائرة الخلاف الإيرانيّ-السعوديّ كان الانعكاس السلبيّ بكلِّ أشكاله يجري في العراق؛ والسبب في ذلك عوامل شتى قد تبدأ من موضوع طبيعة النظام السياسيِّ الحاليِّ في بغداد، والاستقطاب الطائفيِّ، ولا ينتهي بضعف الخطاب العراقيِّ المُوحَّد.
 
  • موقف الخارجيّة العراقـيّة المرن في إعدام الشيخ النمر بالمقابل رفض انتهاك اتفاقـيّة فيينا في حماية البعثات الدبلوماسيّة.
 
  • معلومات السرّ تـُشير إلى وساطة عراقـيّة سابقة قامت بين العراق مع السعودية بموضوع الشيخ النمر، وأخرى مع البحرين حول الشيخ علي سلمان.
  تبقى طبيعة الصراع، والتنافس الإقليميّ في الشرق الأوسط حذف كلمة (الشؤون الداخليّة) من القاموس السياسيّ للمنطقة، وما عاد حدث يحدث في الخرطوم لا يكون له تأثير في الرباط، وأخرى تحصل في المنامة لا يكون لها تداعٍ في بنغازي، ولاسيَّما أنَّ الرمال الشرق الأوسطيّة المُتحرِّكة قد حرّكتها رياح الطائفيّة العاتية، ووفق ما يراه البروفيسور المصريّ الدكتور إسماعيل صبري مقلد أنَّ الدور العراقيَّ الوسيط مُمكِن أن يكون مُثمِراً وإيجابيّاً لاعتبارات كثيرة، منها: وزنه السياسيّ، والأدبيّ الكبير, وخبرته الدبلوماسيّة الثريّة, وعلاقاته الجيِّدة بالسعوديّة, وقنوات اتصاله المفتوحة مع إيران؛ وهو ما يجعله الطرف المُؤهَّل أكثر من غيره لأداء هذا الدور؛ لقربه الشديد منهما، ولمعرفته بكلِّ تفاصيل خلافاتهما مع بعضهما, وما يكتنف هذا الخلاف من محاذير، وإشكالـيّات، وحساسيّات مُتبادَلة قد يكون العراق هو الأقدر على الاقتراب منها بمدخل دبلوماسيٍّ مقبول للطرفين.   يبقى العراق دولة مُؤهَّلة لقيادة هذا التقارُب، ولا يزعم أقرب المُتفائِلين أنَّ العراق سيُنهي الموضوع وفق نظريّة (تصفير المُشكِلات) الخياليّة في موازين نظم العلاقات الإقليميّة والدوليّة، بل -على الأقلّ- أن تقي النار العراق، وانعكاسات ذلك على الحرب المصيريّة العراقـيّة لمُواجَهة داعش، كما أنَّ التقارب في الموقف مع سلطنة عمان، والكويت، ومصر يفتح للعراق شهيّة العودة إلى الساحة العربيّة، ولاسيَّما الأخبار المُسرَّبة التي تـُفيد بأنَّ الدبلوماسيّة العراقـيّة عادت بقوة عقب موقف البيت العربيِّ من موضوع التدخـُّل التركيِّ شمال العراق.  

مقالات أخرى للكاتب