رأي

القيمة الإنسانية الكبرى

القيمة الإنسانية الكبرى

واثق البيك

تتعدد الأصوات التي تقرأ الوقائع التاريخية والإنسانية والاجتماعية بتعدد مرجعيات تلك القراءات، سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو فلسفية أو سياسية. ويذهب كل متخصص في استكناه جوهر تلك الواقعة، عبر تحليل مجمل الظروف المحيطة بها، وصولاً لما تضيفه إلى المشهد الإنساني والفكري من محتوى جديد، أو خبرة إضافية، أو كشف يتطلب إعادة صياغة الواقعة مجدداً بما يضمن خلوّها من كل ما يشوّه حقيقة مغزاها.   ولعلّ واقعة الطف واحدة من أهم الوقائع التاريخية، إن لم تكن أرفعها مكانة بين كل الوقائع، إذ كانت نقطة مفصلية مهمّة بين تاريخين، ومشهدين، أحدهما لا يزال فاعلاً ومؤثراً في البنية المجتمعية والعقل الجمعي حتى الآن، على الرغم من مرور ما يزيد على 1400 عام على وقوع ذلك الحدث، وذلك ليس من المغالاة في شيء، إذ أن مضامين الواقعة ودلالاتها لا تقتصر على زمن معين، أو معرفة إنسانية بحدّ ذاتها، أو ثقافة محددة، بوصف جوهرها يكرّس قيمة في غاية الأهمية على الصعيد المجتمعي، وهي الرفض.   إن قوة تأثير أي واقعة، لا تكمن حتماً في ضرب الطوق على معتنقي مضامينها أو التضييق عليهم، أو إضفاء القدسية على تفاصيلها، بل بما تشعّه من معايير إيجابية، وبما ترسيه من تقاليد إنسانية سامية قادرة على تعزيز رسالة التعايش والتسامح من جهة، وبما تعززه في البناء الاجتماعي من قيم كفيلة بابقائه مصاناً ومتماسكاً وصلباً، لاسيما إذا تعلقت برفض الظلم والفساد.   أستغرب كثيراً، وأنا أطالع مواقع التواصل الاجتماعي المحلية، والعربية أحياناً، من الموجة التي تأخذ شريحة واسعة من الشباب، بعيداً، في استلهام عناصر ومواقف وشخصيات ثورية (تشي جيفارا، غاندي، وغيرهم)، وهذا الاستغراب، لا يستند إلى رفض هذا الاستلهام، بوصف القيم الثورية الحقيقية هي قيم عابرة للأجناس والأعراق والثقافات، ولكن يؤشر، إلى حد ما، الانفصال بين الفرد في المجتمع المحلي والعربي، عن تاريخه وشخصياته، كما يدلّ ــ إلى حد ما ــ على انعكاس هذا التاريخ، بما أفرزه من اختلافات وخلافات، على ذهنية الفرد، ومن ثمّ، توجهاته وميوله ورغباته التي تعبّر بالتأكيد عن انسلاخه القسري عن هذا التاريخ ووقائعه.  

مقالات أخرى للكاتب